الأحد، 18 نوفمبر 2007

الحكامة والتنمية العلاقة والإشكاليات

الحكامة والتنمية
العلاقة والإشكاليات
ما يزال الحديث عن التنمية الإنسانية المستدامة والحكامة (الحكم الصالح (الراشد)) في مرحلتهما الأولى، وبخاصة في عالمنا العربي والإسلامي، فحتى عهد قريب وربما قبيل صدور تقارير الأمم المتحدة الإنمائية، كان المقصود بالتنمية هو النمو الاقتصادي، واستبدل التركيز من النمو الاقتصادي، الى التركيز على مفهوم التنمية البشرية والى التنمية المستدامة فيما بعد، أي الانتقال من الرأسمال البشري الى الرأسمال الاجتماعي وصولاً الى التنمية الإنسانية ببعدها الشامل، أي الترابط بكل مستويات النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي، بالاستناد الى نهج متكامل يعتمد على مبدأ المشاركة والتخطيط الطويل الأمد في حقول التعليم والتربية والثقافة والإسكان والصحة والبيئة وغيرها، ويتوخى قدراً من العدالة والمساءلة والشرعية والتمثيل.
من هنا نشأت العلاقة بين مفهوم الحكم (الراشد) والتنمية الإنسانية المستدامة، لأن الحكم الراشد أو الحكامة هي الضامن لتحويل النمو الاقتصادي الى تنمية إنسانية مستدامة. ومع ذلك فقد ظل المفهوم بحاجة الى تأصيل خصوصاً في المنطقة العربية، التي تعاني من ضعف المشاركة ومركزية الدولة الشديدة الصرامة وعدم إعطاء دور كاف لهيئات الحكم المحلي، ناهيكم عن إبعاد مؤسسات المجتمع المدني من المساهمة وعدم توّفر بيئة صالحة سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية لذلك، سواء على صعيد التشريعات أو بسبب ضيق مساحة الحريات الخاصة والعامة وبشكل خاص الحريات الأساسية.
هذا المقال يناقش في إشكالية المفاهيم، لتنتقل الى المؤشرات والأبعاد بالنسبة للتنمية أو للحكم الصالح، لتضع محورية العلاقة بين التنمية والحرية وان لم تكن عملية شرطية، لكنها في نهاية المطاف لا بدّ أن تفضي إليها كفضاء لا غنى عنه، سواء من خلال الحكم الصالح أو العلاقة المتبادلة بين الديمقراطية والتنمية، وبعدها تتوقف الورقة عند سؤال التنمية والحكم الصالح... الى أين؟، لتخصص فقرة خاصة بإعلان الحق في التنمية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1986.[1]

أولا:تحديــد المفاهيم
ما المقصود بالتنمية؟ هناك المفهوم الضيق المتداول أحياناً ببعده التقليدي، والذي يُقصد منه التنمية الاقتصادية. يقابله المفهوم الواسع، الذي يستند الى فكرة التنمية الإنسانية ببعدها الشامل، وكذا الحال بالنسبة لفكرة الحكم الراشد أو " الحكم الصالح أو " الجيد" أو " الرشيد" أو"الإدارة الرشيدة" والذي شاع استخدامه في السنوات الأخيرة [2].
فالمفهوم الضيق، والذي تُفضل أدبيات البنك الدولي استخدامه، يعتمد على فكرة الإدارة الرشيدة بدلالة النمو الاقتصادي، عندما يتم التطرق الى التنمية، في حين أن المفهوم الواسع يرتفع الى مستوى السياسة، فيعالج مسألة الحكم والعلاقة بين عامة الناس والإدارة الحاكمة، بما يدخل في ذلك مسألة الشرعية والمشاركة والتمثيل والمساءلة، إضافة الى الإدارة العامة الرشيدة باعتبارها مكوّنات للحاكمية الراشدة (الصالحة) كما يذهب الى ذلك تقرير التنمية الإنسانية العربية[3].
وتعد الحرية كفكرة جوهرية ومركزية في عملية التنمية الإنسانية، خصوصاً إذا اعتبرنا التنمية الإنسانية هي: " عملية توسيع خيارات الناس"، وبهذا المعنى، للناس ولمجرد كونهم بشراً، حق أصيل في العيش الكريم ماديا ومعنويا، جسداً وروحاً ......
هكذا إذا التنمية لا تعني مجرد تنمية الموارد البشرية، ولا حتى تنمية بشرية حسب، أي تلبية الحاجات الأساسية، لكنها تنمية إنسانية شاملة في البشر والمؤسسات المجتمعية لتحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.والمفهوم الواسع للتنمية الإنسانية يضيف الى الحريات المدنية والسياسية (بمعنى التحرر من القهر ومن جميع أشكال الحطّ من الكرامة الإنسانية، مثل الجوع والمرض والفقر والخوف) الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ليصل الى قاعدة عريضة تعتمد على مبادئ حقوق الإنسان.
أما الحكامة فلا بد أن تعتمد على عدد من المحاور الأساسية منها: صيانة الحرية، أي ضمان توسيع خيارات الناس، وتوسيع المشاركة الشعبية والمساءلة الفعّالة والشفافية الكاملة في ظل فصل السلطات والتوازن بينها، وسيادة القانون والقضاء المستقل والنزيه والكفء، الذي تنّفذ أحكامه من قبل السلطات التنفيذية.
ثانيا:التنمية والحكامة: أبعاد ومؤشرات:
مرّ مفهوم التنمية بأربعة مراحل: المرحلة الأولى، جرى التركيز على النمو الاقتصادي، وفي المرحلة الثانية على التنمية البشرية وفي المرحلة الثالثة، على التنمية البشرية المستدامة، وفي المرحلة الرابعة، على التنمية الإنسانية بمعناها الشامل، واقترن هذا التطور بإدخال مفهوم الحكامة في أدبيات الأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز، ولعل السبب في ذلك يعود الى أن بعض البلدان، التي حققت نمّواً اقتصادياً، لم تستطع أن تحقق تحسنّاً في مستوى معيشة غالبية السكان، وهكذا فان تحسن الدخل القومي لا يعني تلقائياً تحسين نوعية حياة السكان .
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية عرف مفهوم"التنمية تطورا كبيرا منذ ذلك الوقت، ويعتبر مفهوم التنمية البشرية المتواصلة أو المستديمة الأكثر قبولا الآن. فلم يعد الأمر مقصورا على تحقيق معدل معقول للدخل الفردي، كما لم يعد معدل النمو الاقتصادي كافيا للحديث عن تحقيق التنمية. ويرتبط ذلك بأمرين لا بد من أخذهما في الاعتبار، الأمر الأول هو أن التنمية الاقتصادية – وإن كانت سياسية- غير كافية وحدها للحديث عن تنمية حقيقية، بل لا بد من إدخال عناصر أخرى تشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية، وقد تطورت نظرة البنك الدولي في هذا الميدان، حيث اتسع الأمر إلى قضايا التوزيع وحماية المهمشين، ونضيف إلى ذلك أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد عمد منذ بداية التسعينات إلى إصدار تقرير سنوي عن التنمية البشرية المستدامة، وأدخل في هذا الصدد معايير جديدة لقياس معدلات التنمية لا تقتصر على مستوى الدخل الفردي، وإنما تراعي الجوانب الاجتماعية الأخرى مثل معدل الوفيات والأمل في الحياة، فضلا عن مدى توافر الخدمات الأخرى[4].
وركزت تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي PNUD منذ العام 1990، على مفهوم نوعية الحياة وعلى محورية البشر في التنمية وزيادة قدراتهم على الاختيار وتمكينهم من ممارسة هذه الخيارات وتفجير طاقاتهم الإبداعية، وتمكينهم من المشاركة في أمور حياتهم، وأصبح النمو الاقتصادي ليس غاية بحد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق التنمية، ومن واجب الحكم الصالح أن يتأكد من تحقيق المؤشرات النوعية، لتحسين حياة السكان وهذه المؤشرات تتعدى الجوانب المادية ليندرج فيها العلم والصحة والثقافة والكرامة الإنسانية والمشاركة.
ويحرص برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على نشر ما أطلق عليه مؤشر التنمية البشرية سنويا للتعبير عن هذه الأمور.وأما الجانب الثاني الذي عني به مفهوم التنمية البشرية فهو ضرورة تواصل أو اطراد التنمية بين الأجيال.
لا يمكن إذا الجزم بعلاقة شرطية مطلقة بين التنمية والحرية، لكن انعدام أو ندرة الأخيرة سيؤدي الى تقليص حجم التنمية ويؤثر مستقبلا على استمرارها، إنْ لم يكن تراجعها وهو ما بينّته التجربة التاريخية.فقضايا التنمية لا يمكن عزلها عن فكرة الحرية، فالدعوة إلى الحرية واحترام حقوق الإنسان ليس ترفا تتمتع به الدول المتقدمة، في حين أنه ينبغي على الدول النامية أن تؤجل البحث فيه إلى حين وضع أسس التقدم الاقتصادي، كما لو كان هناك تعارض أو تناقض بين التنمية والديمقراطية.
يمكن القول أن مؤشرات التنمية الإنسانية المستدامة تتلخص في توسيع قدرات الناس وخياراتهم والتعاون بتحقيق التنمية وعدالة التوزيع والاستدامة، أي التواصل في العيش الكريم والأمان الشخصي دون خوف أو تهديد، ويذهب تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2000 الى إضافة: الحرية والحق في اكتساب المعرفة والشفافية وتمكين المرأة باعتبارها مؤشرات نوعية لا تتحقق إلا بوجود نظام إدارة حاشد يضع السياسات ويسعى لتطبيقها[5]. وقد كشف تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004 عن النقص الفادح في الحريات وبخاصة السياسية والمدنية ونقص المعرفة والثقافة والنظرة غير المتوازنة الى حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل ناهيكم عن الموقف من حقوق الأقليات.. وقد كشف تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004 عن النقص الفادح في الحريات وبخاصة السياسية والمدنية ونقص المعرفة والثقافة والنظرة غير المتوازنة الى حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل ناهيكم عن الموقف من حقوق الأقليات[6].
و الحقيقة أن مواجهة قضايا التنمية تتطلب الاعتراف للفرد بحقوقه وتمكينه من المشاركة الجادة والفعالة في أمور حياته. وهناك حاجة إلى تمتزج بين الحريات الفردية والتنظيم الاجتماعي. وقد أصدر الاقتصادي الهندي أمارتيا صن Amartya Sen ، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، مؤلفا حديثا عن "التنمية حرية" وهو عنوان يكشف عما يحتويه. فالحريات والإصلاح السياسي عمل مكمل وداعم للإصلاح الاقتصادي، وللتنمية بشكل عام وليس معرقلا لها.واقتصاد السوق لا يكتمل إلا مع الديمقراطية والحرية السياسية[7].
إن علاقة التنمية بالحكم الصالح أو الرشيد يمكن قراءتها من خلال ثلاثة زوايا هي: 1- وطنية، تشمل الحضر والريف وجميع الطبقات الاجتماعية والفئات بما فيها المرأة والرجل.
2- عالمية، أي التوزيع العادل للثروة بين الدول الغنية والدول الفقيرة وعلاقات دولية تتسم بقدر من الاحترام والمشترك الإنساني والقواعد القانونية.
3- زمنية، أي مراعاة مصالح الأجيال الحالية والأجيال اللاحقة[8] .
ووفقاً لهذه الزوايا يمكن قراءة الأبعاد الأساسية للحكم الصالح من خلال:
1- البعد السياسي، ويعني طبيعة النظام السياسي وشرعية التمثيل والمشاركة والمساءلة والشفافية وحكم القانون.2- البعد الاقتصادي والاجتماعي بما له علاقة بالسياسات العامة والتأثير على حياة السكان ونوعية الحياة والوفرة المادية وارتباط ذلك بدور المجتمع المدني واستقلاليته.
3- البعد التقني والإداري، أي كفاءة الجهاز وفاعليته، فلا يمكن تصور إدارة عامة فاعلة من دون الاستقلال عن النفوذ السياسي، ولا يمكن تصوّر مجتمع مدني دون استقلاليته عن الدولة ولا تستقيم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بغياب المشاركة والمحاسبة والشفافية، هكذا إذا يحتاج الأمر الى درجة من التكامل.و لعل نقيض الحكم الصالح أو الراشد هو الحكم السيء poor governance وذلك من خلال المعايير التالية: 1- عدم تطبيق مبدأ سيادة القانون أو حكم القانون و Rule of law .
2- عدم الفصل الواضح والصريح بين المال العام والمال الخاص وبين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
3- الحكم الذي لا توجد فيه قاعدة شفافة للمعلومات وعلى العكس من ذلك قاعدة ضيقة لصنع القرار.4- استشراء الفساد والرشوة وانتشار آليتهما وثقافتهما وقيمهما.
5- ضعف شرعية الحكام وتفشي ظاهرة القمع وهدر حقوق الإنسان.
6- الحكم الذي لا يشجع على الاستثمار خصوصاً في الجوانب الإنتاجية ويدفع الى الربح الريعي والمضاربات
ثالثا: الحكم الصالح والتنمية على مستوى الخطاب الدولي:
أثارت سياسات التنمية الاقتصادية في عدد من الدول النامية قضايا متعلقة بسلامة الحكم ونزاهته، ونظرا لاستقرار مبادئ السيادة لكل دولة وضرورة عدم التدخل في شؤونها الداخلية، فقد وجدت العديد من مؤسسات التمويل الدولية صعوبة في التوفيق بين احترام هذه المبادئ المستقرة والحاجة إلى توجيه النظر إلى أهمية سلامة أساليب الحكم. فتوجهات البنك الدولي مثلا في قضايا التنمية كثيرا ما تصطدم بالاعتبارات السياسية للدول المتلقية للقروض من حيث عدم إمكان التعرض إلى قضايا النظم السياسية وأساليب الحكم القائمة، مع ذلك فقد أطهرت تجارب التنمية في العديد من الدول خاصة في إفريقيا، أن فشل التنمية كان راجعا بالدرجة الأولى إلى فساد النظم السياسية السائدة وأنه بلا يوجد أمل حقيقي في أي تنمية مستديمة مالم تحدث تغيرات في أساليب الحكم.
ورغبة من البنك الدولي في طرح هذه القضايا دون التعرض مباشرة للقضايا والأمور السياسية فقد سك تعبيرا جديدا لمناقشة هذه الأمور، هو تعبير الحكم الصالح أو ما يصطلح على تسميته بالحكامة.
ومن الواضح أن مفهوم الحكم الصالح أو الرشيد على هذا النحو يتسق مع الاتجاهات الأخرى السائدة، من حيث غلبة مفهوم اقتصاد السوق واستعادة دور الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فهذه الأفكار تمثل نوعا من الايدولوجيا الجدية التي تتكاثف المؤسسات الدولية والنظام الاقتصادي الدولي في الدعوة إليها. لقد أصبحت المنظمات الاقتصادية الدولية تمارس ضغوطا على الدول بواسطة القروض المشروطة، والاستشارات من أجل أن تكون أكثر اندماجية يستجيب ومتطلبات هذه المنظمات في المجال الحقوقي والسياسي، حيث أصبحت تتضمن في دساتيرها احترام المعاهدات الدولية كما هي متعارف عليها عالميا وحرية الرأي والتعبير و الديمقراطية والتعددية الحزبية، أي محاولة تعميم النهج الليبرالي الديمقراطي على المستوى السياسي.
و في دراسة للبنك الدولي بخصوص الحكم الرشيد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حددت معيارين: الأول حكم القانون والمساواة وحق المشاركة والفرص المتساوية للاستفادة من الخدمات، أما الثاني: التمثيل والمشاركة والتنافسية والشفافية والمساءلة<
و قال مدير البرامج العالمية في البنك الدولي "دانيال كوفمان" إن البنك الدولي أعد مؤشرات للحوكمة الجيدة، وتطبق في أكثر من 200 دولة، وهي وجود إدارة الحكم تتطلب استقرار سياسيا وغياب الأعمال الإرهابية والعنف وقيام الدولة بوضع سياسات معينة 'لا سيما إصدار قوانين حديثة وممارسة دور فاعل واحترام المواطنين وممارسة الرقابة على الفساد المتفشي)، كما اعتبر أن ضمان حسن إدارة الحكم بات إحدى نقاط ارتكاز مبادرات البنك الدولي لمناهضة الفساد ومساعدة الدول على بناء مؤسسات قطاع عام على درجة من الكفاءة والفعالية وتخضع للمسائلة.
والنهج الذي يعتمده البنك لمناهضة الفساد يتمحور حول أربع نقاط رئيسية وهي تقديم المساعدة للدول التي تطلب المساعدة في كبح الفساد، واتخاذ جهود مناهضة لفساد والإسهام في الجهود الدولية لمناهضة الفساد والكفاح من أجل منع ارتكاب أعمال فساد في المشروعات التي يمولها البنك الدوليhref="http://www.maktoobblog.com/FCKeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=Body&Toolbar=Default#_ftn10">[10]
.
وذهبت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCDE التأكيد على أربعة معايير هي دولة القانون وإدارة القطاع العام والسيطرة على الفساد وخفض النفقات العسكرية في حين أن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة PNUD ركز على تسعة معايير وهي:
1- المشاركة 2- حكم القانون 3- الشفافية 4- حُسن الاستجابة 5- التوافق 6- المساواة 7- الفعالية 8- المحاسبة
9- الرؤيا الإستراتيجية.
* معايير الحكم الرشيد وفقا للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة:
أ- المحاسبة التوافق.
ب-الشفافية الحكم الراشد/ الصالح (السليم) المشاركة .
ج-حسن الاستجابة حكم القانون .
د-المساواة الفعالية .
ولا يمكن الحديث عن هذه المعايير دون استقرار سياسي وسلم مجتمعي وأهلي، ووجود مؤسسات وتداول سلمي للسلطة وإقرار بالتعددية وانتخابات عامة دورية وإدارة اقتصادية ومشاركة شعبية.
وتجدر الإشارة إلى أن الدول المتقدمة المانحة للمساعدة أصبحت تكرر باستمرار سواء في المؤتمرات أو في المبادئ التي توجه السياسات الوطني أو الجماعية، حرصها على ربط المساعدة على التنمية باحترام حقوق الإنسان.
ولا يرجع هذا الربط المعلن فقط إلى ضغط المنظمات غير الحكومية والرأي العام، بل إن ذلك يرتبط أيضا بالوعي المتزايد في الدول المتقدمة نفسها بضرورة حد أدنى من ترشيد التعاون الدولي وإدخال قدر من العقلانية على السياسة الخارجية، ليس لاعتبارات أخلاقية أو إنسانية صرفة ولكن أساسا لاقتناعها أن مصالحها نفسها صارت مهددة بسبب تردي الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العامل الثالث، أمام تقلص الأموال المتاحة للمساعدة وتزايد طالبي الهجرة واللجوء وتيارات اللاجئين والضغط الديموغرافي وتدهور البيئة وانتشار التطرف والتعصب وما يرافق ذلك من نمو العنصرية في قلب "ديمقراطيات" الشمال الغني نفسه.
وقد أتاح انفراج الشرق والغرب ثم اختفاء الشرق إيديولوجيا، الاستغناء عن عدد من الديكتاتوريات التي كانت تلعب دور الحليف في هذا الصراع مقايضة ولاءها بمزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية وبمزيد من الصمت والسكوت عن انتهاكات حقوق الإنسان وتفشي الرشوة وتبذير الأموال العمومية، وهي ممارسات تقود إلى التدهور المشار إليه آنفا.
وقد أصبح من المعايير الأساسية لتقديم المساعدة، ما تطلق عليه الدول المتقدمة، تعبير الحكم الجيد Good governance .
ففي تصريح لمجلس وزراء خارجية السوق الأوربية المشتركة مؤرخ ب 28 نوفمبر 1991، نقرأ ما يلي: "يلح المجلس على أهمية الحكم الجيد، وفي حين يبقى من حق الدول ذات السيادة إقامة بنياتها الإدارية وترتيباتها الدستورية،فإن تنمية عادلة لا يمكن إنجازها فعلا وبشكل دائم إلا بالانضمام إلى مجموعة من المبادئ العامة للحكم: سياسات رشيدة اقتصاديا واجتماعيا، شفافية حكومية (...) وقابلة للمحاسبة المالية، إنشاء محيط ملائم للسوق قصد التنمية، تدابير لمحاربة الرشوة، احترام القانون وحقوق الإنسان، حرية الصحافة والتعبير(...) وهذه المبادئ ستكون أساسية في علاقات التعاون الجديدة " .
ونقرأ في مقدمة التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في العامل لسنة 1989 ما يلي: "(..ولأننا نجد في الدول التي تحترم حقوق الإنسان أصدقاء لا أعداء...إنها الحكومات الأكثر استقرارا والمجتمعات الأكثر حيوية، حصون الحرية المحترمة لحقوق مواطنيها وجيرانها، وأكثر المسؤولين عن رفاهية المجموعة الدولية" .
و قد قامت الدول الأعضاء في لجنة "المساعدة على التنمية " (C.A.D) التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إضافة إلى رؤساء ومدراء البنك العالمي وصندوق النقد الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية في 5 دجنبر 1989 بإصدار تصريح مشترك بالسياسة العامة التي ستوجه التعاون لأجل التنمية في التسعينات، ومما جاء فيه: "إن هناك علاقة حيوية معترف بها اليوم على نطاق واسع بين الأنظمة السياسية المفتوحة والديمقراطية والقابلة للمحاسبة والحقوق الفردية وبين الأداء الناجح والعادل للأنظمة الاقتصادية. إن الديمقراطية القائمة على المشاركة تتطلب مزيدا من الديمقراطية ودورا أكبر للمنظمات المحلية والحكم الذاتي واحترام حقوق الإنسان بما في ذلك أنظمة قانونية فعالة ويسهل الوصول إليها accessible وأسواق تنافسية حرة وديناميكية".
غير أن أقوى تصريح بالسياسة العامة والمبادئ التي يجب أن تقود التعاون الدولي لأجل التنمية، وأكثرها انسجاما، هو المقرر الذي صدر عن مجلس وزراء المجموعة الاقتصادية الأوربية في 28 نوفمبر 1991 تحت عنوان: "حقوق الإنسان، الديمقراطية والتنمية" ، فقد اعتبرها هذا المقرر" أن المجموعة يجب أن تكون لها مقاربة approche مشتركة لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم الثالث" مما يحسن انسجام وفعالية المبادرات المتخذة في هذا المجال[12].
وإذا كان الحكم الصالح يعني حسن التصرف في إدارة الحكم لجهة الشفافية والمساءلة والمساواة ، لحدودها الدنيا وللشرائح الدنيا أحياناً ، فإنها يمكن أن تساعد في تحقيق التنمية وتشتبك مع الديمقراطية ، التي تعني أشكال وأساليب ممارسة السلطة السياسية وآليات اتخاذ القرار إضافة إلى مجموعة الضمانات القانونية ضد التعسف السياسي من جانب السلطة على حقوق الفرد والمجتمع كما ورد في أعلاه [13].
يبدو أن هناك علاقة وثيقة بين التنمية والحكامة والديمقراطية، لكن مثل هذه العلاقة ليست حصرية أو إجبارية ، فقد يكون هناك حكم غير ديمقراطي لكن إدارته وسلوكه أقرب إلى الحكامة ، وبالطبع فإن كل نظام ديمقراطي لابد أن يشتبك مع موضوع الحكامة خصوصاً في مسألة المساواة والمساءلة والشفافية.
كما أن تحسين أداء الحكم وربطه بالديمقراطية ، يتطلب نوعاً من الإصلاح السياسي سواء من حيث الأسس أو التوجهات العملية بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي، فقد تتيح كما أشرنا بعض الأنظمة درجات معينة ومحدودة من المساءلة والشفافية لأسفل الهرم الحكومي ، لكنها تظل بعيدة عن المتطلبات والشروط الدولية للديمقراطية. أما أنظمة الحزب الواحد حيث تأكل الدولة المجتمع وتبتلع مؤسساته المدنية، (الأهلية وغير الحكومية) أو تحّولها إلى تابع لها فإن مسألة المساءلة والشفافية تضعف إلى حدود كبيرة، حيث ينتشر الفساد والتسلطية والاستبداد بتراتبية من قمة الهرم حتى قاعدته، على حد تعبير المفكر والمصلح عبد الرحمن الكواكبي.النظام الديمقراطي يتطلب فصلاً للسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتناوبية عبر انتخابات دورية ومجتمع مدني ناشط ، واحترام لحقوق الإنسان، ومساءلة للحاكم، وتلكم هي إحدى مقاربات الديمقراطية على المستوى العالمي من الناحية الحقوقية الفكرية والسياسية، وهي التي أخذت بها الأمم المتحدة والعديد من الهيئات الدولية.
وهناك أسئلة تفرض نفسها باستمرار حول الديمقراطية والتنمية: منها هل أن الديمقراطية هي الرافعة التي تؤسس بالضرورة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ؟ أو أن هذه تنشأ بمعزل عن طبيعة نظام الحكم؟ أو قد تنشأ متأثرة بالنظام السياسي (نسبيا) أي بسلوكية الحكم ، سواء كان حكماً صالحاً (Good Governance)أو كان حكما طالحا (Poor Governance)، وسواء كان حكماً ديمقراطياً أم شمولياً؟
والسؤال يطرح على نحو آخر: هل الديمقراطية والتنمية مكوّنات لمعادلة واحدة ، بحيث إن وجود الأولى يقود بالضرورة الى الثانية؟ وهل أن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، هما "الهدف المركزي" أم أن التنمية وتحسين الحياة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي هي الهدف ؟ أي هل الديمقراطية هي الوسيلة والتنمية هي الهدف؟ أم أنهما تختلطان مع بعضهما وتتبادلان الأدوار أحيانا، فالوسيلة تكون هدفا لمرحلة تأسيس والهدف يصبح وسيلة لرفاه السكان؟ [14].
رابعا:سؤال التنمية والحكم الصالح الى أين؟
يطرح هذا السؤال نفسه بعد مناقشة إشكالية المفاهيم: هل يمكن الحديث عن حق الإنسان في التنمية باعتباره حقاً جماعياً للشعوب دون ربطه بالفرد الكائن البشري؟ ومصدر هذا السؤال يمتد الى الصراع الإيديولوجي في فترة الحرب الباردة والنظرة المنحازة لكلتا المنظومتين الاشتراكية والرأسمالية. ومثل هذا الجدل بل والصراع كان قائماً على المستوى الدولي سواء في الأمم المتحدة أو خارجها، وازداد عمقاً وشمولاً في ظل " العولمة " وارتفاع وتيرة المصالح في ظل لاعب أساس متحكم في اللعبة الدولية، وممارسة حقه في التجارة باعتباره الأقوى وتأثيره على المؤسسات المالية الكبرى، التي حوّلها الى حصون منيعة له، وبرز ذلك مع تراكم مشاكل الهجرة وانتشار المخدرات واستشراء الإرهاب وتفاقم مشكلة اللاجئين والتوظيف السياسي من وراء ذلك، حين كان الغرب يغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان من بعض أصدقائه، بحجة مكافحة التطرف والتعصب والإرهاب والأصولية، وتحجب المساعدات عن دول حاولت أن تتلمس طريقها في التنمية بما ينسجم مع خصائصها وتطورها ورفضها الخضوع أو التبعية، ويمثل أمامها على نحو إغراضي قضية انتهاكات حقوق الإنسان، بطريقة توظيفية بعيدة عن عدالتها.في العام 1977 دخل " الحق في التنمية" في جدول أعمال لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وبذلك بدأت مرحلة جديدة من مراحل تطور حقوق الإنسان.
شكّلت أسئلة التنمية جزءاً من المقترب البنيوي بخصوص الجيل الثالث لحقوق الإنسان، رغم أن الثمانينات شهدت أوضاعا انتقالية، استكملت حتى نهايتها بوضع حواجز أمام سلع العالم الثالث، مما زاد في تعميق أزمة التنمية واستفحال المديونية وهيمنة سياسة المؤسسات المالية الدولية، التي قادت الى استنزاف للموارد الطبيعية والإنسانية، للدول وتقليص فرص النمو والعمالة وارتفاع وتيرة العنف وعدم الاستقرار والمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان.وفي بداية التسعينات تعزز مفهوم الحق في التنمية بمفهوم " التنمية البشرية" كما ورد في تقارير الأمم المتحدة للتنمية، سواء من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة PNUDأو من جانب البنك الدولي، حيث تمت الدعوة الى مكافحة الفقر وايلاء اهتمام اكبر بالجانب الاجتماعي واعتماد مبدأ المشاركة كجزء من الحق في التنمية ومبدأ الحكم الصالح الراشد (الجيد) Good Governance.
وفي بيان القمة بمناسبة الألفية الثالثة، لزعماء العالم الذي حضره نحو 150 زعيماً أيلول(سبتمبر) 2000، جرى الوعد بإحداث تغييرات رسمية بوضع أهداف لخفض نسبة من يعيشون بأقل من دولار واحد يومياً، الى النصف وكذلك عدد الأشخاص الذين يفتقرون الى مياه شرب صحية واستكمال البنين والبنات مراحل تعليمهم الابتدائي ووضع حد لانتشار الايدز والملاريا والأمراض الفتاكة الأخرى[15].
وفي البيان المذكور شددت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القيم والمبادئ انطلاقاً من الأمم المتحدة وميثاقها كأساسين لا يمكن الاستغناء عنهما لبناء عالم أكثر سلاماً وازدهاراً وعدالة، وجرى التأكيد على السعي لتصبح العولمة قوة ايجابية لصالح جميع الشعوب في العالم وتقاسم فوائدها.
وتم التأكيد على قيم الحرية والحكم الديمقراطي والتشارك والمساواة والتضامن والتسامح والمسؤولية المشتركة في إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية العالمية بالإضافة الى مسؤولية حماية السلم والأمن الدوليين.وبخصوص التنمية والقضاء على الفقر جرى التأكيد على ما يلي:
• تحرير الرجال والنساء والأطفال من الأوضاع المُذِلّة وغير الإنسانية.
• خلق مناخ مناسب دولياً ومحلياً، يتجاوب مع التنمية والقضاء على الفقر.
• اعتماد الشفافية المالية والنقدية التجارية من خلال أنظمة حكم تتكيف لذلك في كل بلد.• التعامل الفاعل لحل مشكلة المديونية للدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط.• تلبية احتياجات دول الجزر الصغيرة النامية.
• الإقرار بحاجة الدول النامية التي لا تمتلك منفذاً بحرياً ومساعدتها على تخطي عقبات النقل والمرور وتحسين أنظمتها وشبكات المواصلات.
وفي فقرة خاصة تم تناول موضوع حماية البيئة والتأكيد على المحافظة على الغابات وتطويرها ومكافحة التصحر والجفاف وإيقاف الاستغلال المفرط للموارد المائية. وفي إطار توصيف عملية التنمية وربطها بالديمقراطية جرى الحديث عن الحكم الصالح والتأكيد على بذلك الجهود لترويج الديمقراطية وتعزيز سيادة القانون الى جانب احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، المعترف بها دولياً بما فيها الحق في التنمية، مؤكداً على احترام حقوق الأقليات ومكافحة جميع أنواع العنف ضد المرأة وضمان حقوق المهاجرين والعمال وعوائلهم ووضع حد للأعمال المتصاعدة التي تتخذ شكلاً عنصرياً أو عداءاً وكرهاً للأجانب والتشجيع على الانسجام والتسامح في المجتمع.وكان مؤتمر فيينا العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد في العام 1993 قد دعا لإقرار تفاهم عالمي حول حق التنمية حين نص على " تحسن الطرح النظري وزيادة الأدوات الدولية في ميدان حقوق الإنسان، لا يمكن أن يحجبا عن كل متتبع أن الهّوة ازدادت في الوقت اتساعاً بين الدول وداخلها ولاسيما في حقل ما يصنف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي لا يمكن فصلها عن الحقوق المدنية والسياسية .
انطلاقا من ذلك فان حق التنمية هو عملية شاملة ترمي الى ضمان جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وهي حق من حقوق الإنسان غير قابلة للتصرف، وجزء لا يتجزأ من الحريات الأساسية، ويرسخ إعلان الحق في التنمية هذا المفهوم، وذلك بسعيه لدمج التنمية بحقوق الإنسان على نحو متكامل، ويتطلب مسؤولية جميع الإطراف في المجتمع الدولي، ويسعى الى ربط مفاهيم التنمية الإنسانية المستدامة بحق الإنسان والمشاركة النشطة الحرة والفعالة لكل الأفراد في التنمية.
وتتأكد أكثر فكرة الربط بين الحقوق الفردية في التنمية وبين الحقوق الجماعية للمجتمع أو الدولة، فحق التنمية هو حق للفرد مثلما هو حق للجماعة، وإذا كان الأمر يتطلب جماعة متحررة غير خاضعة لهيمنة أجنبية، وحقاً على المستوى الدولي في مساعدتها على التنمية، فانه يتطلب أيضاً ديمقراطية داخلية واحترام حقوق الفرد حتى لا تصبح الجماعة قمعية.
ولا بد هنا من التأكيد إن تثبيت الحق في التنمية، وهو الخطوة الثانية المهمة بعد إعلان تصفية الاستعمار(الكولونيالية) لعام 1960، الصادر عن الجمعية العامة، إنما يستهدف المساعدة في تعديل الميزان المختل في العلاقة بين الشمال والجنوب، بين الأغنياء والفقراء، بين الأقوياء والضعفاء، وكذلك الجمع بين مجالين ظلاّ يعملان بصورة منفصلة وهما حقوق الإنسان والتنمية.
جدير بالذكر الإشارة الى أن الجمعية العامة واجهت منذ العام 1950 مشكلة تقرير ما إذا كانت ستمضي في طريق صياغة عهد دولي أو اتفاقية دولية لحقوق الإنسان ملزمة قانوناً، وذلك بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول (ديسمبر)عام 1948.
لكن الأمر الذي تم التوصل إليه هو صياغة عهدين أو اتفاقيتين رغم أن الجمعية العامة ذاتها أكدت :" إن التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، متداخلان ومترابطان، وان الإنسان المحروم من الحقوق الاقتصادية لا يمكن أن يكون نموذجاً للإنسان الحر".
لكن فشل لجنة حقوق الإنسان من التوصل الى صيغة كهذه، اضطر الجمعية العامة للموافقة عام 1952 على فصل حقوق الإنسان الى مجموعتين... وانطلاقاً من ذلك " القرار" اضطررنا أن نعيش هذا التقسيم الخاطئ وغير المقنع لمجموعتين من الحقوق رغم ترابطها وتداخلها.
عند تثبيت الحق في التنمية لا بدّ من لفت النظر الى مسؤوليات الحكومات الغربية، خصوصاً والحكومات بشكل عام إزاء الفرد والمجتمع، كجزء من البعد الأخلاقي لعملية دمج التنمية بحقوق الإنسان، سواءاً بمعناها الدولي ومسؤولية بلدان الشمال الغنية أو بمعناها الإقليمي والوطني بمسؤولية حكومات بلدان الجنوب عن ربط التنمية باحترام حقوق الإنسان كجزء منها وباحترام القواعد الديمقراطية في تطور المجتمع والفرد.
ويعد موضوع " الحق في التنمية" كجزء من تطور عملية حقوق الإنسان، وهو ما يطلق عليه الحقوق الجديدة من منطق " حقوق التضامن"، كالحق في السلام والحق في بيئة نظيفة، والحق في الاستفادة من التراث المشترك للبشرية. وكان فاسيك قد طرح المسألة عام 1977 بمناسبة التحضير للذكرى الـ 30 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومرور 200 عام على الثورة الفرنسية. ويعدّ "كارل فاسيك" مبدع فكرة الجيل الثالث لحقوق الإنسان، ويذهب أبعد من ذلك عندما يعتبر أن الحقوق المدنية والسياسية وهي التي تمثل (الجيل الأول)، كانت قد صيغت في القرن الثامن عشر وشكلت خلفية ثقافية للثورة الفرنسية.
أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي تمثل (الجيل الثاني) فقد صيغت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين تحت تأثير الفكر الاشتراكي والماركسي ، خصوصاً موضوع المساواة والحديث عن حقوق العمل والعمال والضمان الاجتماعي وغيرها.أما (الجيل الثالث) أو " حقوق التضامن" فهي محاولة لإدخال البعد الإنساني بعد حقوق الإنسان، خصوصاً وان تلك الحقول كانت متروكة للدولة مثل البيئة والسلام والتنمية والتواصل والتراث المشترك للإنسانية

الجمعة، 16 نوفمبر 2007

الدكتور ادريس عبادي/الحكم المحلي


حوار مع الدكتور ادريس عبادي رئيس المركز المغربي للحكامة والمختص في التدبير المحلي***************************************************
شدد رئيس المركز المغربي للحكامة والمختص في التدبير المحلي إدريس عبادي على أن الحكم الذاتي
كما هو مطبق في بعض الدول يؤدي إلى ارتفاع الشعور الوطني بالارتباط بالدولة، وأن الجهات التي تتمتع بالحكم الذاتي، بحكم الاعتراف لها بجميع خصوصياتها وحقوقها، تكون أكثر تمسكاً بالدولة، وعكس ما يتخوف منه فإن هذه الجهات هي التي تقوم بالدفاع عن وحدة الدولة وأمنها واستقرارها، لأن ذلك في صالح الجهات نفسها. وقد تطرق عبادي في هذا الحوار، الذي ننشره قبيل اتضاح مقترح المغرب للحكم الذاتي ومناقشة مجلس الأمن لملف النزاع حول الصحراء المغربية، مواضيع كالنموذج الأقرب في تجارب الدول في الحكم الذاتي للخصوصية المغربية، والمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية...
* الحكم الذاتي....والارتباط بالدولة*
*النمودج الاسباني..كبديل للاحادية والمركزية*
*الخصوصيات المحليةوالنظم التقليدية ومسار تطور الحكامة بالمغرب*
*استعراض النمودجين الفرنسي والاسباني وايهما اقرب للتجربة المغربية*


* اقترب موعد تقديم المغرب لمقترحه لتطبيق حكم ذاتي في الصحراء المغربية، ويظهر ميل للنموذج الإسباني لدى أوساط مغربية، لماذا في نظرك هذا الميل؟ وما خصائص التجربة الإسبانية مقارنة بالوضع في المغرب؟

إني أرجع هذا الميل أولاً إلى أن المغرب دولة أحادية ومركزية على الطريقة الفرنسية، وبهذا الصدد هناك بعض السياسيين والملاحظين والمتتبعين للحكامة المحلية بالمغرب يرتكزون على هذا المعطى للقول إن على المغرب أن يتبع التطور نفسه الذي عرفه النظام المحلي الفرنسي فيميلون للنموذج الفرنسي. أنا شخصيا لا أميل للنموذج الفرنسي لأنه، رغم تطوره، لم يصل إلى مستوى الاستقلالية التي وصلت إليها دول أخرى أقل عراقة وقدم في الديمقراطية المحلية كإسبانيا مثلا. الملاحظ أن التجربة الفرنسية ما زالت خجولة فيما يخص تطبيق نظام الحكم الذاتي، باستثناء بعض مناطق ما يسمى ما بعد البحار مثل كالدونيا الجديدة التي تتمتع بنظام خاص، وحتى جزيرة كورسيكا القريب ملفها من وضع أقاليمنا الجنوبية لا تعرف استقلالاً ذاتياً، مثلما تعرفه الأقاليم الإسبانية.
هنا يجب أن ينتبه المتتبعون إلى مفارقة غريبة، وهي أن فرنسا رغم كونها دولة عريقة ونظامها الديمقراطي والإداري قديم وعرف تطورا منذ قرنين، وبالتالي يفترض أن تكون فرنسا أكثر تقدماً في مجال استقلالية المناطق من إسبانيا الدولة التي لها تجربة حديثة وفتية في ميدان الديمقراطية المحلية شأنها شأن المغرب، في حين أن العكس هو الواقع، وهنا يطرح سؤال: لماذا ما تزال الديمقراطية المحلية للأقاليم والجماعات الفرنسية تهيمن عليها المركزية كما في المغرب؟ أما في إسبانيا فقطعوا أشواطا بعيدة في الاستقلال الذاتي واقتربوا من النظام الفيدرالي؟ يفسر ذلك بأن الأنظمة القديمة ذات التقاليد السلطوية العريقة تكون هي نفسها حواجز وعوائق أمام تكريس الديمقراطية المحلية، ومن الصعب تجاوزها بسرعة، هذا ما يفسر بطء الإصلاحات لا في المغرب و لا في فرنسا في ميدان الديمقراطية المحلية، وبهذا المنطق ينبغي أن نفهم وضعنا في المغرب، لأن البعض يقول في كل مرة إن بلادنا متعثرة في ديمقراطيتها المحلية، وهذا طبيعي لأن المغرب دولة وحضارة عريقة عتيقة تطورت مند قرون لها تقاليدها في منظومة معقدة تجعل من الصعب المرور بسرعة إلى نظام الديمقراطية المحلية.
أما الدول الفتية التي عرفت انتقالا ديمقراطيا حديثا وسريعا فقد انطلقت بسرعة في مسار الديمقراطية المحلية والمثال هو إسبانيا. من ناحية أخرى نموذج هذه الأخيرة قريب من النموذج المغربي من حيث حداثة التجربة الديمقراطية حيث بدأتها تجربتهما منذ 35 سنة تقريبا، لكن الجارة ذهبت بوتيرة أسرع من المغرب ومن فرنسا.
*نفهم من كلامك أن النموذج الإسباني هو الأقرب للمغرب؟
نعم من جانب حداثة تجربتهما الديمقراطية هما قريبين، وبالتالي على المغرب أن يستفيد من تجربة إسبانيا ويبتعد شيئاً ما عن النموذج الفرنسي الذي يحجب عنه تجارب أخرى أكثر ليونة وانفتاح وفعالية مثل النموذج الإسباني، وكذلك الأنظمة المحلية الأنجلوسكونية.

*ربما الماضي الاستعماري الذي يربط البلدين يعزز ميل نحو إسبانيا؟
لا، ليس لهذا الاعتبار، وإنما لأن الإسبان كما قلت سابقا رغم حداثة تجربتهم، استطاعوا التخلص من القيود التقليدية للحكم ولم يضيعوا الوقت بل استرجعوا الوقت الذي ضيعوا خلال الحكم الدكتاتوري القديم، ومضوا بعيدا في الديمقراطية والاستقلالية المحلية، بحيث أصبحت الجهات لها سلطاتها الذاتية المتميزة عن الدولة وسياساتها وإشعاعها الداخلي والخارجي.
ولنأخذ مثلا جهة كاطالونيا فقد سبق لي أن حضرت لقاء بالدار البيضاء في إطار شراكة بين تلك الجهة وجهة الدار البيضاء، هذا القاء جمع عن الجانب الإسباني وفد يرأسه رئيس حكومة كاطالونيا وعمدة مدينة برشلونة، وهما صاحبي القرار في تلك المنطقة المستقلة وهما منتخبين للإشارة، وبالمقابل التقاهما عن الجانب المغربي وفد يرأسه الوزير الأول ووزير المالية والخوصصة، ووالي الدار البيضاء وعمدة المدينة وغاب رئيس جهة الدار البيضاء، في حين كان يكفي أن يلتقي رئيس جهة الدار البيضاء ووالي جهة الدار البيضاء وعمدتها مع المسؤولين الإسبانيين، فلماذا حضور وزراء من الحكومة المركزية؟ إن هذا يجد تفسيره في أن الدولة بالمغرب ما تزال مركزية رغم رغبتها في توسيع اللامركزية.

*ولهذا قلت في محاضرة لك إن الدولة المركزية ببلادنا، سبقت الجماعات المحلية؟
بالفعل، الدولة المركزية ببلادنا تكونت وتقوت ثم نهجت سياسة اللامركزية وعملت على توسيعها، وترسيخ نظام حكامة محلية مركب يجمع بين تجارب وممارسات محلية مستقاة من المجتمع المغربي من جهة، وقوانين ومؤسسات مستقاة من الأنظمة الغربية من جهة أخرى، تبعا لتطور تاريخي طويل. نتج عن هذا التطور نظام سياسي وإداري محلي مزدوج يجمع بين تقنيتي اللامركزية التي تعمل باسم المجتمع والأمة واللاتركيز الذي يعمل باسم الدولة. اللامركزية، التي تعتبر محور هذا النظام، ليست بظاهرة جديدة. فقد عرف المغرب تجاربا في ميدان الاستقلال المحلي قبل إقرار الحماية الفرنسية به. لكن منذ الاستقلال تميز تطور هدا النظام بظاهرة التطور في اتجاه التراجع.

الحواجز التي أعاقت تحسين واستكمال هدا النظام كانت متنوعة: قانونية ومؤسساتية ومالية وبشرية، والتي حاول المشرع طيلة الأربعين سنة من تجربة التدبير المحلي بالمغرب أن يعالج عن طريق إصلاحات متعددة الجوانب، انطلاقا من توسيع اختصاصات المسؤولين المحليين نحو استقلالية أكبر، وتقوية الموارد المالية والبشرية المحلية... وصولا إلى إدخال مبادئ التشارك والمشاركة الواسعة للمواطن والمجتمع المدني.
لكن اليوم، رغم إرادة المشرع توسيع سلطات واختصاصات الجماعات المحلية، فإن هنالك في الواقع تنافسا بين الدولة المركزية والجماعات المحلية، وهو صحي في ذاته، لكن يجب ألا يتحول إلى احتكار الدولة للميدان المحلي، هذا ما لاحظناه مثلا في ما يخص الشراكة بين جهة كاطالونيا وجهة الدار البيضاء، إذ هيمن حضور أعضاء الحكومة (الوزير الأول ووزير المالية) مع الوالي والعمدة، في حين لم يرافق رئيس كاطالونيا وعمدة برشلونة أعضاء من الحكومة المركزية.
*ثمة تخوفات بأن تتحول تجربة الحكم الذاتي إلى مرحلة متقدمة بمطالب انفصالية، فما هي ضمانات عدم وقوع ذلك؟
ولهذا لا بد من تحديد للمفاهيم وما الذي نريد، وقبل أن نتحدث عن النمودج الإسباني نطرح السؤال: ما معنى الحكم الذاتي؟ وأي نوع منه نريد؟ فالأنواع متعددة من كندا إلى ألمانيا إلى الولايات المتحدة... فهل نريده على الطراز الأمريكي أي نظام فيدرالي (دويلات داخل الدولة)، أم حكم ذاتي على الطريقة الإسبانية، أي أقاليم مستقلة، أم أقاليم وجهات على الطريقة المغربية/الفرنسية مع إدخال تطويرات عليها؟
ينطوي معنى الحكم الذاتي على استقلالية (autonomie) إلا أنه ليس مرادفا له، وهذه الكلمة باللغة الفرنسية لا تعني الحكم الذاتي، بل مقابل هذا الأخير هو (auto-governement)، ونحن في المغرب لدينا استقلالية للجماعات المحلية مالياً وإدارياً، إلا أن الحكم الذاتي هو مرحلة متقدمة على الاستقلالية.
والحكم الذاتي ليس تقسيمات ومؤسسات ترابية في منطقة محددة من قبيل الأقاليم والجهات والإدارات والمقاطعات كوسائل للحكم المحلي، ذلك أنها تبقى وسائل إدارية دون استقلالية سياسية، في حين أن الحكم الذاتي هو استقلالية أولا قانونية، إستقلالية في سن القوانين ذاتية، ويقتضي الأمر أن لك خصوصية قانونية وإدارية (قانون جهوي تضعه منطقة الحكم الذاتي)، أما إذا طبقنا حكما ذاتيا في منطقة وبقيت خاضعة لقوانين المركز فإننا أمام نظام لامركزية وليس أمام نظام الحكم الذاتي. وبالتالي فإن تطبيق الحكم الذاتي يعني صلاحيات للمنطقة المشمولة به لسن قوانين محلية مثلا في قطاع التربية والصحة... ويبقى القانون الأسمى الدستور يشمل الوطن كله.
وإن مطلب توفير ضمانات لكي لا يزيغ الحكم الذاتي إلى مرحلة أخرى يدفعنا لطرح سؤال: هل نريد تطبيق حكم ذاتي في الأقاليم الصحراوية في إطار الدولة الأحادية القائمة أم في إطار نظام فيدرالي كالنموذج الألماني مثلا؟ أظن أن الثقافة السياسية والإدارية المغربية لا تسمح بالخيار الثاني، وأن أي حكم ذاتي لا يمكن إلا أن يكون في دولة مغربية أحادية، كانت في الماضي وما زالت، رغم أن المغرب عرف في تاريخه فترات حكمت فيها مناطق نفسها بنفسها بقوانينها الخاصة بها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ولم تكن تخضع لسلطة المخزن المركزي وما يربطها بالملك هو الرابط الروحي المتمثل في البيعة (أمير المؤمنين).

وإن التخوف من التطور نحو الانفصال مرتبط بتطبيق الحكم الذاتي في نظام دولة فيدرالية، وهو ما لا يمكن أن يصير إليه المغرب، لأنه دولة مبنية على الوحدة الترابية والوطنية رغم تنوعه. أخيرا يجب التأكيد أن الحكم الذاتي كما هو مطبق في بعض الدول يؤدي إلى ارتفاع الشعور الوطني بالارتباط بالدولة، لأن الجهات التي تتمتع بالحكم الذاتي يعترف لها بجميع خصوصياتها وحقوقها، وبالتالي هذا يدفعها للتمسك أكثر بالدولة، وعكس ما يتخوف منه فإن الجهات المتمتعة بالحكم الداتي هي التي تقوم بالدفاع عن وحدة الدولة وأمنها واستقرارها لأن ذلك في صالح الجهات نفسها.

*بعض المتتبعين يشدد على ضرورة تحديد ما إذا كان الحكم الذاتي وسيلة للوصول إلى الديمقراطية وتسيير الصحراويين لشؤونهم بأنفسهم، أم هو غاية في حد ذاته لنيل التأييد الدولي في مقابل الأطروحة الانفصالية، ووضع حد لنزاع ممتد منذ 30 سنة؟
أنا مع الطرح الأول بأن الحكم الذاتي وسيلة للوصول إلى تكريس الديمقراطية المحلية وطريقة رشيدة للتسيير والتدبير. أما أنه غاية في حد ذاته لنيل التأييد الدولي كما قلتم فهذا غير معقول وغير منطقي لأننا دولة لها سيادتها، ولا يمكن أن نعمل تحت الضغط، فالمنطق يقول إن العمل تحت الضغط لا ينتج عملاً فعالاً، ثم إن المغرب دولة حرة مستقلة ذات سيادة لها حق في معالجة ووجود حل لموضوع داخلي كملف الأقاليم الصحراوية في إطار مجتمعنا ومكوناته ومؤسساته السياسية، وكل يبدي مقترحاته وإن أتت من الخارج فمرحباً بها، إلا أنه لا يمكن أن نعمل من منطلق أن المغرب تمارس عليه ضغوط لإيجاد حل، زيادة على أن العديد من البلدان لديها مشاكل مشابهة كإسبانيا مع الباسكيين، وفرنسا مع الكورسكيين، وبالتالي فإننا ننطلق من الداخل وأما الاعتبارات الخارجية فتهتم بها المنظمات الدولية.
وأما كون مبادرة الحكم الذاتي أتت من الدولة، فإن هذا يعزى إلى أن النظام بالمغرب أحادي يرجع إليه في كل الأمور، وهذا اختيار تبناه المغرب، ويتميز بأن الأسبقية فيه تعطى للوطني والسياسي على المحلي والاجتماعي، وهو ما يعني أن المركزي يتخذ مبادرات ثم يأتي دور المحلي، فاللامركزية التي بدأت في الستينيات والجهوية في الثمانينيات، وكذا الحريات الموجودة حاليا والانتخابات أتت بقرارات فوقية، وكذلك الأمر في فرنسا حيث الدولة مركزية.
في حين أن المعادلة معكوسة لدى دول وأنظمة أخرى كالدول الأنجلوساكسونية والفيدرالية، فالأسبقية للمحلي والاجتماعي على الوطني والسياسي لأنها ليست دول مركزية، والمركزية لا تعني شيئا سلبياً بشكل حتمي، فهذا اختيار تاريخي من الصعب تغييره لأنه أصبح عقلية سائدة وثقافة حتى داخل المجتمع.
وحتى إن كانت المبادرة آتية من فوق فإن يحدث تلاقي مع مؤسسات في مستوى أدنى، بحيث أن المنتحبين، الذين يمثلون الجانب المحلي، يصبحون متكلمين باسم المجتمع فتصعد أصواتهم عبر مؤسسات منتخبة فتلتقي مع مبادرات المركز. وإن ذكر النموذجين لا يعني بالضرورة أن أحدهما سيء والآخر جيد، لأن النظام هو وليدة مجتمعه، ''كما تكونوا يول عليكم''.
*مر نصف سنة على تأسيس المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية، كيف تنظر للعمل الذي يقوم به إلى الآن؟ وهل سيكون الجهة الأثقل وزناً في صياغة وتنفيذ مشروع الحكم الذاتي؟
أرى أن الأولى عند النظر في مؤسسة جديدة كـ ''الكوركاس'' ليس هو التركيز على الجهاز ذاته أو الأشخاص المكونين له أو كيفية تكوينه، وهو ما وقع في البداية إذ تساءل المتتبعون والملاحظون عما إذا كان المجلس يمثل كل الصحراويين ومن يستحق أن يكون عضوا فيه... ودار الجدل كدلك عن شخص رئيسه وماضيه وغيرها من التساؤلات الجزئية، ولكن الذي يهمني هو الرسالة التي يراد إيصالها عبر ''الكوركاس''، وهي أن الدولة حينما قررت إنشاء المجلس، وهو جهاز تداولي تفاوضي من أجل إيجاد حل لملف الصحراء المغربية، فقد أعطته مكانة مهمة جداً عن طريق استقلاليته، وسلطة القرار الممنوحة له، وكذا سلطة الخطاب حيث هو نفسه يتمتع بحكم ذاتي وهذه رسالة في حد ذاتها.
ولنلاحظ أن رئيس المجلس، وهو يمثل زملاؤه في المؤسسة الملكية، أعطيت له سلطة جعلته مخاطب مباشر لرئيس الدولة، فهو لا يحاور إلا الملك ولا يجتمع ولا يعطي أي توضيح للمؤسسات الأخرى، لا للحكومة أو البرلمان أو الإدارة المركزية، كما أنه يتجول بكل حرية في الخارج ويتحاور مباشرة رؤساء الدول الأخرى، وفي هذا الأمر رسالة رمزية مهمة للداخل والخارج، رسالة استقلالية كبيرة، فلا يوجد رجل دولة في المغرب لديه ما لدى رئيس ''الكوركاس''، فهو يجول العالم ويختار مخاطبيه من رؤساء وزعماء الدول، وعندما يكون في المغرب يخاطب الملك، ولديه حرية المبادرة.
وإني لم أر في المغرب جهاز إلى جانب رئيس الدولة له مثل ما للمجلس من سلطة واستقلالية وحرية، رغم أنه مجلس استشاري فقط. هذه الرسالة الرمزية تقول للصحراويين في مخيمات تندوف إن أخاً لكم صارت له كل هذه السلطة، ولهذا نلاحظ أن الملك لا يعطي توجيهات كثيرة لـ ''الكوركاس'' بل يترك له الحرية والمبادرة.

*ولهذا قلت إنه سيكون للمجلس الصحراوي الوزن الأثقل في صياغة مشروع الحكم الذاتي؟
إن الدولة طلبت من المكونات الأخرى للمجتمع السياسي والمدني إبداء آرائهم تجاه هذا المشروع، منها من فعل ومنهم من لم يفعل، مما سيفيد ''الكوركاس'' بحيث لن يجد نفسه وحيدا بل أمام رؤى وآراء متنوعة، وبالتالي فسيظهر ما في المغرب، من شماله إلى جنوبه، من توجهات وانتظارات... وتبقى الكلمة الأخيرة للمجلس تحت إشراف الملك.


حاوره: محمد بنكاسم
عن التجديد الالكتروني

19/10/2006

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2007

الدكتور طارق اتلاتي



2/10/2006 ) مداخلة الدكتور اتلاتي استاذ التعليم العالي،محاضر بكلية الحقوق المحمدية،استاذ باحث’رئيس وحدة اللاتركيز الاداري بماستر الحكامة المحلية/كلية الحقوق المحمدية
ـــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــ

في إطار مناخ عالمي مليء بالأحداث المؤثرة في الواقع وصيرورته، يجد المغرب نفسه أمام تحديات تحتم عليه إيجاد مناخ ديمقراطي يشجع النقاش وحرية التعبير عن الأفكار والآراء.
ولأجل مواجهة هذه التحديات، عرفت المؤسسات السياسية بالمغرب طفرة حقيقية تمثلت بالأساس في:
- تنظيم انتخابات ديموقراطية وتقوية سلطات البرلمان في مجال مراقبة العمل الحكومي.
- إحداث مجلس استشاري لحقوق الإنسان، يضم ممثلي جميع الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية؛
- تعديل قوانين الحريات العامة؛
إضافة إلى تحديات اقتصادية فرضها واقع العولمة الجارف والذي جعل المغرب في درجة 125 من حيث التنمية الاقتصادية والبشرية على المستوى العالمي؛ كما أنه يعاني من 55% من الأمية و%15 من سكانه النشيطين، فقد أصبحت مسألة الحكامة في قلب مشروع العصرنة والمرتبطة بالأساس بالاقتصاد والمجتمع؛ هذه الدينامية تسترعي قسطا هاما من الاهتمام والنقاش بين أوساط الرأي العام، وذلك لعدة أسباب يمكن إجمالها عموما في:
الالتزام القوي لجلالة الملك محمد السادس الرامي إلى تسريع وثيرة التغيير من أجل الحفاظ على مجتمع قوي وموحد و من أجل تكريس ثقافة القرب والمشاركة والتشارك.
غير أن المحيط المتغير الذي نعيش فيه والذي يستهدف إيمانا جماعيا من طرف المجتمع المدني ومختلف الفاعلين الاجتماعيين، وضرورة رفع المغرب لمجموعة من التحديات والمرتبطة بالعولمة؛ يجد نفسه أمام أصوات مرتفعة وطلبات متعددة لملاءمة الواقع مع التحولات المؤسساتية وأدوار الفاعلين في التنمية المحلية.
وفي مواجهة هذه التحديات، وبهذه الإرادة الهادفة إلى السير إلى الأمـــــام، فإن المقاربة الجديــــدة المتمثلة في الحكــــامة، تصطدم بواقع مريـــر تملئ جوانبه ظواهر متعددة متمثلة في البيروقراطية الإدارية التي تنخرط في كل ما هو دامس من أجل الحفاظ والاحتفاظ بكل وضعية تذر امتيازا، إضافة إلى النقص على مستوى الحياة السياسية، وأيضا الأحزاب السياسية التي أضحت تكرس واقع الانتهازية لتقوي بشكل كبير سوء تسيير واضح على مستوى تدبير الشأن المحلي.
ففي ظل هذه البيئة يطرح التساؤل كيف يمكن تحقيق تنمية تؤسس لحكامة محلية جيدة وفي مستوى التطلعات؟ كيف يمكن لنظام حكامة محلية جيدة أن تساهم في تعميق الإصلاحات اللامركزية الجارية بالمغرب؟ وكيف يمكن تحسيس المجتمع المدني بالمسؤولية الملقاة على عــاتقه؟
والإجابة على هذه التساؤلات ستساهم لا محالة في تنمية الأبعاد الأساسية للحكــامة المحلية بالمغرب، ووضع الدور الجديد للدولة ضمن إطار يسمح بضمان صيرورة مسلسل اللامركزية واللاتمركز.
وقبل الإجابة على هذه التساؤلات نرى من الأفيد توضيح وتحديد مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالحكــامة...
الحكــامة هي أولا وقبل كل شيء تعبير عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده، وهذا هو التعريف المعتمد من طرف أغلب المنظمات الدولية.
وهو في واقع الأمر مفهوم قديم يدل بالأساس على آليات ومؤسسات تشترك في صنع القرار.
ومنذ عقدين طرأ تطور على هذا المفهوم وأصبح يعني حكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفأة لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم.

شروط الحكـــامة

من أجل أن تقوم الحكامة لا مناص من تكامل عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، إذ لا يمكن أن نتحدث عن الحكامة دون تكريس المشاركة والمحاسبة والشفافية. ولا وجود للحكامة إلا في ظل الديمقراطية أو السيادة الشعبية. والحكامة تستوجب وجود نظام متكامل من المحاسبة والمساءلة السياسية والإدارية للمسؤولين في وظائفهم العامة ولمؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، والقدرة على محاسبة المسؤولين عن إدارتهم للموارد العامة وخصوصا تطبيق فصل الخاص عن العام وحماية الشأن العام من تعسف واستغلال السياسيين.
*أولا: الحكامة والمجتمع المدني
لعل الإشعاع الذي أضحى يعرفه المغرب في الآونة الأخيرة على مستوى حقوق الإنسان والحريات العامة جعله في قلب الحدث الديمقراطي، وجعل الجميع مقتنعا بأن مجهودات التحديث لن تتأتى إلا بالمشاركة المتزايدة للسكان في تدبير الشأن العام "والديمقراطية التشاركية" وفي إدارة مميزة لتشجيع انخراط المجتمع المدني بصفة عامة بشكل فعلي وجدي كطرف فاعل في التغيير، الشيء الذي يؤكد حقيقة الرغبة في إطلاق العنان للمبادرات الحلية، وفتح المجال أمامها لتحمل المسؤولية في اتجاه تبني مبادئ التفاوض والتشارك لإبراز مؤهلات الإبداع والخلق في سبيل خدمة التنمية التشاركية.
وفي هذا الإطار، الذي يجعل من الحكامة واقعا ليس فقط مرغوبا فيه بل أمرا حتميا وضروريا لمواصلة النهج الديمقراطي الذي سلكته البلاد بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، فإن المجتمع المدني قد عبر عن انخراطه في المسلسل المذكور من خلال اشتغاله ميدانيا وتحمسه لكل مبادرة عنوانها المصلحة العامة.
وبناءا على ذلك فإن موقع الحكامة مجاليا، يحتم الأخذ بعين الاعتبار كل أشكال المبادرة والمواطنة في تسيير الشأن المحلي من خلال إعطائها كامل حقها بل والزيادة فيها مؤسساتيا على ضوء تنوير المسلسل الديمقراطي الجاري ببلادنا.
ومن هذا المنطلق ينبغي الاعتراف بأن العمل الجمعوي هو حقيقة التكامل مع العمل الحكومي، لأن عدم إشراك المواطنين في المسؤولية يفرغ الديمقراطية من كل معنى حقيقي لها وبالتالي يحيل على بيروقراطية سهلة تكون عواقبها وخيمة وفيروسا مجتمعيا يجر كل الشوائب والظواهر غير الصحية.
والحديث عن المجتمع المدني، لا ينبغي فهمه بالمعنى الضيق وحصره في المنظمات غير الحكومية والتي في الغالب تأخذ أشكال منظمات بيروقراطية، بل في اعتقادنا يجب أن تتكثل حول مشاريع موحدة، إنعاش مبادرات الجمعيات، مجموعات الأشخاص والجمعيات المتخصصة على شروط ووسائل النجاح وبالتالي الحصول على تفاعل بين السلطة العمومية والفاعليين الاقتصاديين والاجتماعيين.
إن سياسات التحرير وتحرر الدولة من التزاماتها قد أصبحت تفهم أكثر فأكثر على أنها وسيلة إعادة تزويد الأفراد والمقاولات بقدرة على المبادرة الجديدة، ويدخل ضمن هذا الإطار السهر على حماية حقوق وحريات المواطنين كإطار ترتبط وثيرته ونتيجته بالتقاليد السياسية والإدارية، فارتقاء المواطن من مرحلة يكون فيها مجرد مسير إلى درجة مواطن يتوفر على حقوق جديدة يشكل قفزة نوعية تستدعي تغييرا في العمق للعقليات، إن من جانب الموظفين أو المواطنين المستعملين ذاتهم حيث يبقى الأوائل مطالبون بالامتناع من اللجوء إلى تصرفات سيادية، والفئة الثانية مطالبة بالتخلي عن موقفها السلبي لتصبح شريكة بحصة كاملة؛ ومثل هذا التغيير هو وحده الكفيل بجعل المواطن قادرا على تشجيع القيم الأخلاقية والعدل واحترام المساواة في حياتهم اليومية وخلال الحياة اليومية المعاشة.
*ثانيا: الحكامة و اللامركزية
إن خيار اللامركزية و الفضاء المحلي كمشروع مجتمعي مستقل قائم على المشاركة الشعبية يتطلب جملة من السياسات والمقومات السياسية والتمويلية والإدارية.
فلا غرو والحالة هذه، إذا ما استحوذت مفاهيم اللامركزية والحكم المحلي والإدارة المحلية والمقاربة التشاركية على الخطاب السياسي للدول والمؤسسات الدولية طوال العقد الأخير من القرن الماضي بحكم عمق وعيها بتعقد وجسامة المسار المفضي، بصرف النظر عن العوارض الوطنية إلى ازدهار مجموعاتنا وجماعاتنا الترابية وذلك في سياق يتسم بالاعتماد المتبادل.
فمن منظور التنمية البشرية، فإن الفضاء المحلي يؤدي افتراضا إلى زيادة فرص الارتفاع بالمستوى المعيشي، وذلك من خلال توسيع خيارات وأفضليات الفرد والجماعة في المجتمع المحلي. فمن المفترض أن الإدارة اللامركزية تكون قادرة أكثر من نظيرتها الإدارة المركزية على التحكم لتوفير البيئة والآليات اللازمة لاستخدام أمثل للموارد المتاحة والابتعاد عن التبذير، حيث أن التخطيط المحلي يمكن من القيام بإجراء تقديرات حقيقية لحجم ونوعية الطلب بصورة أدق مما يقوم به لتخطيط المركزي، وبالتالي فالنتيجة الحتمية أن التسيير المحلي لا شك أن يوفر خدمات مطابقة لخيارات السكان وأوضاعهم.
فإذا كان عامل القرب إلى المواطنين عاملا أساسيا ومحددا للتوجه الصحيح لأي بادرة، فإن توفر نخب مؤهلة ومكونة يجعلها تتوفر على قدرات تحليلية ومعلومات أكثر التصاقا لتشخيص الإمكانيات المحلية للتنمية وفهم طبيعة ونوعية خيارات وأفضليات السكان المحليين، ومن تم تكون قادرة على صياغة خطط محلية وبرامج و مشروعات تستجيب لطموحات وتطلعات المواطنين، بل وتكون قادرة على وضع استراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى لتطوير الإمكانيات التنموية المحلية و ضمان نمو اقتصادي مستديم.
ولعل البعد الأكثر أهمية لارتباط اللامركزية بالنهوض بالتنمية البشرية يأتي من خلال زيادة الكفاءة الإنتاجية بمعناها الواسع ومن التمكن من وضع آليات المساءلة والمحاسبة والحد من الروتين وتطبيق مبدأ الشفافية في المعاملات والحد من مظاهر الفساد الإداري والمالي.
ومثل هذا المنظور الرامي إلى تحقيق كفاءة إنتاجية عالية من اعتماد اللامركزية في مفهومها الواسع لن يمكن ترجمته على أرض الواقع ما لم يكن مؤ طرا بمشاركة المواطنين، بحيث يصبحون على المستوى المحلي واعين كل الوعي بكيفية توظيف الموارد واستخدام المال العام، وعلى دراية بما يتم التخطيط له من برامج ومشروعات محلية وبالتالي تكون قادرة على مراقبة ومتابعة و تقييم عملية الإنجاز بصورة أكثر التصاقا وأمانة مقارنة مع ما يجري في الخطط المركزية المعروضة من أعلى.
ولعل الأهم إذن، هو ارتباط اللامركزية بالعدالة الاجتماعية عن طريق التنمية المحلية القائمة على المشاركة السياسية، فالمجالس الجماعية كوحدات ترابية ستكون مهتمة بتوفير الخدمات العامة بصورة عادلة. وقد لا تكفي أنماط الديموقراطية الشكلية في تحقيق ذلك ما لم تكن هناك مشاركة سياسية حقيقية ومباشرة لجميع الفئات الاجتماعية.
ومن هذا المنطلق، فإن الحكامة تقتضي مجموعة من الرقابات لإنجاح خيار اللامركزية، بدءا من ضرورة التحكم الفعلي للمواطنين المحليين، سياسيا وفنيا بما يتم التخطيط له وكذا التأكد من تأسيس وتطبيق نظم إدارية تتسم بالمرونة والشفافية وبالشكل الذي تضمن معه الرفع من مستوى الكفاءة الإنتاجية للعاملين.
وخلاصة القول إن واجب المواطنين في عملية البناء وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وذو فوائد تتمثل بالأساس في منح أصحاب المصالح مساحة أكبر للتعبير عن آرائهم، ووضع آراء السكان الفقراء والمهمشين في الاعتبار عند وضع القرارات المتعلقة بالسياسة أو البرامج.
د। طارق اتلاتي






* حوار لجريدة "بيان اليوم " مع الدكتور طارق اتلاتي، رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكومة الأستاذ عباس الفاسي وملفات الاصلاح السياسي والحقوقي والمؤسساتي والديني


الاستراتيجية الأحزاب يغلب عليها في الاختيار القرابة من موقع القرار وتطييب الخواطر والإرضاءات وتغليب الطموحات غير الشرعية بدل فتح المجال للطاقات والكفاءات الحكومة ستكون في وضع لا تحسد عليه من خلال التحديات الكبيرة التي تنتظرها 1) بداية، ماذا يمكن القول عن انتخابات السابع من شتنبر؟ الحديث عن انتخابات السابع من شتنبر، يحتم التذكير بالسياق الذي جاءت فيه الأخيرة، فهي محطة مهمة في تاريخ المغرب ورهان كان يتوخى منه الاستمرار في مسلسل التحول الديموقراطي الذي يعرفه المغرب، والذي تأسست أرضيته بالتوافق التاريخي بين جلالة الملك والأحزاب الديموقراطية والوطنية، وبالمقابل كانت تحمل أيضا عبء -لاقدر الله- تسجيل تراجعات عن كل المكتسبات التي حققت إلى اليوم। في اعتقادي أن هذه الانتخابات وإن كانت في مجملها مقبولة، من خلال شهادة المراقبين الأجانب الذين قالوا عنها أنها شفافة و كذا الاتحاد الأوروبي والمجموعة الدولية؛ فقد شابتها عيوب حتى قبل انطلاقها وذلك في مرحلة التهيء والتحضير من خلال التشاور مع الأحزاب؛ فبالنظر إلى البرلمان هو مؤسسة تشريعية مهمتها إنتاج القوانين والمصادقة عليها بمعنى التنظير للمجتمع والتحكم في سرعة تطوره؛ غير أن هذا الحق والاختصاص الدستوري، قد أبطلت مفعوله الدولة من خلال رفض وزارة الداخلية في لجنة الانتخابات بمحلس النواب الرفع من المستوى التعليمي للمرشحين من الشهادة الابتدائية إلى مستوى أعلى وتبرير ذلك بأن الأمر قد حسم في سنة 2002• وبالتالي الانطباع الذي صار سائدا لدى عموم المواطنين هو أن من هب ودب بل وكل من سولت له نفسه يمكن أن يدخل غمار التجربة، وهو ما أسميه بالديموقراطية الفوضوية عكس الديموقراطية الصحيحة التي توضع لها ضوابط ومعايير। 2) هل يمكن الجزم بأن استعمال المال قد أفسد العملية الانتخابية؟ حقيقة أن انتخابات السابع من شتنبر كما أسلفت كان حولها - عموما -إجماع بنجاحها،غير أن مالا يمكن نفيه ، هو أن استعمال المال كان حاضرا ولو لم يكن بالقدر الذي تعودنا عليه في العهد السابق، ويكفي أن ننظر إلى الأحزاب بكل توجهاتها سواء كانت يمينية أو يسارية أو غيرها- اللهم بعض الاستثناءات- لنجدها في الغالب لم ترشح منا ضليها بل على العكس من ذلك استقدمت الأعيان والذين لا تربطهم بالحزب أية علاقة، ما كان يهم فقط هو تحقيق المسألة الرقمية المتمثلة في الحصول على فريق يمكن من الدخول في مشاورات على المناصب الوزارية। فالأعيان خلال هذه الانتخابات غيروا من مفهوم السياسة في المغرب كبلد قطع أشواطا طويلة في سبيل تحقيق المكتسبات التي وصل إليها اليوم؛ لأن استقدامهم جعل في غالب الأحيان المنافسة تخرج عن الإطار المرسوم لها في سبيل ممارسة الديموقراطية الصحيحة لتنحو منحى المضاربة بالمال لا بالأفكار والبرامج। 3) وما ذا يمكن القول عن نتائج هذه الانتخابات؟ أكيد أن نتائج الانتخابات كانت مخيبة للآمال، ولكن بالنسبة لي على الأقل، لم تكن لا مفاجئة ولا خارج إطار المتوقع؛ ففي شهر يونيو أي شهرين قبل موعد انطلاق العملية الانتخابية، استدعيت من طرف منتدى لحقوق الانسان بكلية الحقوق عين الشق بالدار البيضاء في موضوع حول السياسة وعزوف الشباب، وفي معرض تحليلي للنتائج المرتقبة لهذه الانتخابات، قلت إنني أتوقع عزوفا ليس فقط للشباب ولكن لمختلف الفئات، وبنسبة تتراوح بين 60 بالمائة و70 بالمائة، ونسبة أصوات ملغاة تقارب المليون، وأضفت أنني أخشى أن لا نكون بعيد ين عما أفرزته الانتخابات في الجزائر من نتائج؛ ويبدو أن ديكتاتورية الجوار قد تحكمت ولو أن الأسباب تختلف والمعطيات على جميع الأصعدة تعطي المغرب متفوقا بشكل كبير। وحتى الدولة كانت تتوقع ذلك، لهذا وظفت كل الإمكانات المادية والبشرية للتحسيس بأهمية الانتخابات والظرفية الحساسة التي يمر منها المغرب، وبدا واضحا أن عددا كبير ا من الأحزاب السياسية لم تكن قادرة على لعب دور تأطير وتعبئة الجماهير وحثهم على المشاركة، فاستقدمت لهذه المهمة حمعية تسمى 2007 دابا، هذه الأخيرة التي حققت أسوأ النتائج بل وبذرت الأموال بشتى الأشكال دونما نتيجة ونفرت المواطن من خلال بعض التقنيات الإعلامية المستعملة। 4) في اعتقادكم، هل التأخير في المشاورات من أجل تشكيل الحكومة كان أمرا عاديا؟ تشكيل الحكومة الحالية استغرق مدة زمنية، ونظرا لكون الشارع المغربي زاد تشويقه مع مرور الأيام وكذا العياء الذي خلفه عليه الشهر المبارك، جعله يشعر بالملل، والواقع أن المدة الزمنية بالنظر إلى واقع التدبير الحزبي هي مقبولة؛ فمجموعة من الأحزاب تتعامل بمنطق براغماتي ولا تستطيع رسم تحالفاتها بناء على التوجهات أو البرامج، كل ذلك يجعلها تنتظر النتائج النهائية। وباختيار جلالة الملك لوزير أول تدخل في معادلة صعبة لتوزيع عدد المناصب الوزارية ومحاولة إرضاء المتشاورين، حيث يغيب المنطق وتغيب الرؤى السياسية الواضحة وتتم إعادة رسم مشهد سياسي جديد للمغرب। والسبب الثاني في اعتقادي لتوالي المشاورات وعدم الحسم، يرتبط أساسا بشخص الوزير الأول ومدى الكاريزم الذي يتوفر عليه، فالتردد وتسرب أنباء عن لوائح بأسماء متنوعة ولمرات عديدة كله أمر لا يخدم شخصية الوزير الأول، لكون المتتبع للمشهد يعتبر أن مسار المفاوضات ينفلت من يده، الأمر الذي تأكد من خلال الحسم الملكي بعدما بدا واضحا أن الأمور بدأت تسوء فعلا، وأن هذه الحكومة لن تتشكل وقد افتتح البرلمان في دورته الخريفية। 5) كيف تنظرون إلى هذه الحكومة ؟ وماهي انتظارات الشعب المغربي منها؟ الحكومة الحالية بالشكل الذي هي عليه، تبدو هجينة وهو الأمر الذي سيصعب بل يعقد من مأمورية الوزير الأول، بل سيحد من اختصاصه ويجعله أحيانا خارج الدائرة। وهنا ستطرح إشكالية دستورية أخرى بعد ما عرفه الفصل 24 من جدل، وهي المتعلقة بتفعيل الفصل 65 من الدستور والذي بمقتضاه يقوم الوزر الأول بدور التنسيق؛ فالأمور التي لم تستطع الكثير من الأحزاب أن تستوعبها هي أن المنجزات والأوراش الكبرى في المغرب يشرف عليها جلالة الملك مباشرة وبالتالي طبيعي أن يظهر الوزير الأول أصغر حجما داخل تشكيلته। إن التوجه الملكي واضح منذ فترة زمنية لابأس بها وهي إعطاء الأولوية للتقنيين المتخصصين في مجالات متعددة على حساب السياسيين، وذلك بغرض ربح الرهان التنموي والتنافسي، انطلاقا من كون العالم الحزبي يغلب عليه في الاختيار القرابة من موقع القرار وتطييب الخواطر والإرضاءات وتغليب الطموحات غير الشرعية بدل فتح المجال للطاقات والكفاءات داخل الحزب التي تستحق أن تمثل الأحزاب تمثيلا مشرفا وليس فقط من أجل التنميق وإعطاء الصورة بأن المجال مفتوح أمام الشباب ولو كانوا غير مؤهلين لا تقنيا ولا سياسيا। اعتقادي الشخصي أن الأحزاب نالت عدديا في هذه الحكومة ما تستحقه بالنظر إلى النتائج المحصل عليها في الانتخابات। 6) وماذا عن الانتظارات المرجوة منها؟ بالنظر إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي، فإن هذه الحكومة ستكون في وضع لا تحسد عليه من خلال التحديات الكبيرة التي تنتظرها، فقد د شنت هذه الحكومة بدايتها على إيقاع الاحتجاجات والتظاهرات التي وصلت إلى حد التصادم العنيف بشأن الارتفاع الصاروخي والمهول لأسعار المواد الغذائية، وتأثير اتفاقيات التبادل الحر على الأوضاع الاجتماعية بشكل أساسي। الأكيد أن مهمة الحكومة ستكون جد عسيرة، وسيتطلب منها الأمر جهودا مضاعفة في سبيل رفع مجموعة من التحديات المرتبطة أساسا بالحد من ظاهرتي الفقر والإرهاب।


اجرى الحوار احمد المرابط








السبت، 10 نوفمبر 2007

الحكم المحلي الجهوي

ندوة في الرباط تبحث تجارب الحكم المحلي الجهوي في العالم
الجهوية خيار لترسيخ روح المسؤولية والمواطنة


الرباط : فتيحة بجاج |



تعتبر تجارب دول أخرى نجحت في جعل الجهوية والحكم المحلي نموذجا يمكن للمغرب الاستفادة منه في تطبيق مقترح الحكم الذاتي
في أقاليمه الصحراوية كما تشكل أحد محاور التحرك السياسي الذي ستعرفه المنطقة في المرحلة المقبلة

هذا ما تطرقت له ندوة نظمت أخيرا في الرباط، حيث جرت المناقشات حول تبني مبدأ الحكم المحلي في كل من بلجيكا و سويسرا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا والبرازيل
وحلل المحاورون دلالة هذا المبدأ وفعالية تطبيقه كل حسب المنطقة التي ينتمي إليها

وأكد مشاركون في هذا اللقاء أن الجهوية أو الحكم المحلي أوالفيدرالية أصبحت الأنظمة والاتجاهات التي يتخذها تطور التدبير الترابي
ويعتبر نظام الجهات المستقلة المعمول به في إسبانيا في كل من منطقة الباسك، وكطالونيا وجزر الكناري والأندلس، وغيرها من الحكومات المستقلة، وأيضا الكانطون بسويسرا واللانديرز بألمانيا وكذلك الولايات المتحدة الأميركية، والمناطق الإيطالية، نماذج ناجحة يمكن أخذ العبرة منها

وأضافوا أنه إذا ما كانت الجهوية أو الحكم الذاتي تعني منح بعض السلطات للجهة، فإن الحكم الفدرالي تسيير مغاير، لأن مستوى التدبير فيه أكبر وأشمل، إلا أن كلا النظامين، الجهوية والفيدرالية، يستجيب لنفس المشاغل والهموم كما أن نتائجهما غالبا ما تكون مماثلة

وأشار المتدخلون كذلك، خلال هذه الندوة التي كانت تحت عنوان تجارب الحكم الذاتي الجهوي عبر العالم، أن الجهة تتصف باللامركزية موازاة مع تطلعات القرن الواحد والعشرين

وأصبحت اليوم عاملا أساسيا في تفعيل التطور الاقتصادي وانتعاشه، كما أنها منتج للثروات ومساهم في خلق فرص الشغل، مع احترام المجال البيئي والطبيعي للمنطقة التي يطبق الحكم المستقل تحت سيادة البلد الأم

وأوضح المستشار الاقتصادي لسفارة ألمانيا في الرباط، هانس كريسيان ونكلير، أن هناك أشكالا متعددة للحكم الذاتي أو الاستقلال الذاتي في العالم، وأن المغرب كان سبق أن أبدى إعجابه بالتجربة الألمانية

ومن جهتها ذكرت موريل كوتوريي كسالس، جامعية من برشلونة، أن النظام الإداري للتجربة الإسبانية يعتمد احترام خصوصيات كل منطقة، فالحكم الذاتي في مقاطعة الأندلس يختلف عنه في كاتالونيا أو في الباسك

وأضافت أن ميل المغرب إلى التجربة الإسبانية نابع من الإدراك أن منح الصحراء المغربية حكما ذاتيا سيكون حافزا لتكريس مبدأ الجهوية في مناطق مغربية أخرى، خاصة وأن المغرب أعلن منذ سنوات توجهه نحو نظام الجهات، أي اللامركزية، ومنح السلطات الواسعة للأقاليم في ما يتعلق بتدبير شؤونها المحلية

أشارت مداخلات تالية إلى أن الجهة تعتبر أحد العناصر المهمة والأساسية في تنظيم الدولة، إذ تكون بمثابة شاهد على التنوع الثقافي والاجتماعي والبيئي، بالإضافة إلى دورها الكبير في ديناميكية أوجه الحياة العامة للمجتمعات وتقدمها لأنها تخلق نوعا من التنافسية بين مختلف المناطق

وأبرزت مداخلات أخرى أن المؤسسات الجهوية لها دور فعال في تكريس لامركزية الدولة، كما أنها تساهم في ضمان الديمقراطية، مبرزة أهمية التقارب بين السلطات المتوفرة على صلاحيات تقريرية تجاه المواطنين

وأشارت المداخلات إلى أيضا أنه في مناطق الحكم المستقل في أي بلد تجري مشاركة المواطنين بواسطة اعتماد سياسة القرب، خاصة عند البحث عن حلول للمشاكل اليومية التي تهم حياة الناس، إلا أنه يبقى من الضروري التوفر على الوسائل المادية والإطارات الترابية المتعلقة بالتهيئة المستدامة للتراب الوطني

تركز الاهتمام كذلك، خلال الندوة، على أن تطوير مبدأ التسيير الذاتي على مستوى الجهة، يدفع بالدولة إلى تشجيع الإحساس بالمسؤولية لدى المواطنين، وليس فقط في المجال السياسي، وإنما أيضا في المجالات الإدارية والاقتصادية والمالية

من جهة أخرى، أصر المشاركون على لفت الانتباه إلى أن تفعيل التسيير الذاتي ينمي روح المبادرة، كما يكرس مبادئ التضامن والمسؤولية المدنية لدى كل مواطن، مؤكدين في نفس الآن، أن تطبيق الجهوية مسألة ضرورية لتشجيع الاختلافات والفوارق الاقتصادية والاجتماعية الموجودة بين مختلف عناصر التراب الوطني التي يجب أن تصحح عن طريق سياسة منسجمة، وكل هذا يساعد على تحقيق النمو على المستوى المحلي والجهوي والوطني

وذكرت بعض الآراء أن الجهوية مسألة إيجابية ولا تمس في شيء بالوحدة الترابية للوطن، بل على العكس من ذلك، فهي وسيلة تمكن المواطن من التعبير عن تطلعاته، كما أنها تجعل سياسة القرب أكثر ديناميكية، وتبرز أكثر تنوع وأصالة كل عنصر في المجتمع سواء أكان إنسانيا أو اقتصاديا أو حضاريا، أو غيرها من الأمور التي تساعد على خلق دولة في تطور وازدهار مستمرين ويرى المتخصصون أن تفعيل سياسة القرب وسيلة تساعد على تفادي الصراعات بواسطة إبراز أهمية الهوية الجهوية داخل إطار الوحدة الوطنية، مع عدم اعتماد تلك النظرة العرقية والدونية للفضاء المعاش فيه

وجرى خلال الندوة طرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كان تطبيق الجهوية المحلية كحل مناسب لمشكل الصحراء يتطلب إصلاحا دستوريا في المغرب، وهل يجب ملاءمة الدستور الحالي مع مفهوم الحكم الذاتي المرغوب فيه؟ وما هو التوافق السياسي والاجتماعي الواجب اتباعه في التقسيم الجهوي؟ وأية جهوية ستناسب بلد كالمغرب أخذ طريقه بصرامة نحو النمو والمعاصرة والديمقراطية؟ بالنظر إلى خصوصيات كل منطقة على حدة

الندوة 2
الحكامة والديمقراطية المحلية قاطرة للتنمية الشاملة



.
إذا كانت اللامركزية قد شكلت منذ عقود خيارا استراتيجيا للمغرب، فإن إقامة حكامة وديمقراطية محلية أصبحت، مع مرور الزمن،




هدفا يحظى بالأولوية في السياسة العامة للدولة، التي تسعى أن تجعل من التدبير الجهوي قاطرة للتنمية الوطنية

وشهد نمط التدبير المحلي في المغرب تطورا عميقا، إذ انتقل من مجرد سلطة اقتراحية، إلى أخرى تقريرية، وقد أملت التقدم المحقق في هذا المجال، التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب، ولكن أيضا بهاجس وضع نظام للحكامة يعوض التسيير الإداري للشؤون المحلية

وتقوم الدولة في الوقت الراهن بدور تنظيمي يكمن في توفير شروط مناخ مؤسساتي واقتصادي للدفع بالتنمية، ومن ثمة فقد أصبح من مهام الجماعات المحلية العمل على ضمان النهوض بالجهات في انسجام مع توجهات وأهداف السياسة الوطنية
وتتطلب الأهمية المخصصة لتدبير المجال الترابي إعادة تحديد مهام واختصاصات الجماعات المحلية، سواء تعلق الأمر بالجهات، أو العمالات أو الأقاليم أوالجماعات المحلية حضرية وقروية كما هو منصوص عليه في المادة 100 من الدستور

ومن هذه الزاوية، فإن المشرع المغربي واكب هذا التطور، الذي يسير في اتجاه التخفيف من الوصاية، وتحميل المسيرين المحليين المزيد من المسؤولية، والتي من شأنها أن تشكل عصب نخبة ذات كفاءة عالية تجمع بين الواجب والالتزام المواطن
واعتبر الميثاق الجماعي لـ 30 شتنبر 1976، لحظة المصادقة عليه، إصلاحا جذريا في هذا المجال، مع منح اختصاصات واسعة للرئيس وللمجلس الجماعي في ميدان التسيير الإداري

بعد ذلك تمت المصادقة على ميثاق جديد في أكتوبر 2002، والذي ميز محطة جديدة في علاقات الجماعات المحلية والسلطة المركزية
ويحيل هذا النص الذي خول صلاحيات جديدة للمجلس الجماعي، على أسلوب جديد في تدبير الشؤون المحلية

وحدد ميثاق 2002 أهدافا سياسية تتعلق بتعزيز ترسيخ إرساء ديمقراطية القرب، وتحسين النظام التمثيلي ومشاركة المواطنين في تدبير الشأن العام
وعلى الصعيد السوسيو ـ اقتصادي، يرمي النص إلى تطوير تدبير المجال الترابي والتهيئة الملائمة للمجال وتقوية قدرات تدخل المؤسسة المحلية في القطاعات الاجتماعية بهدف تقليص الفوارق بين الجهات
ولا يمكن بلوغ أهداف الجهود التي بذلت في مجال التشريع وتقوية الموارد الترابية، خاصة عبر مراجعة الجبايات المحلية، من دون تغيير العقليات وإشراك أكبر للمنتخبين في إيجاد الحلول للمشاكل على المستوى المحلي

وبما أن التنمية الشاملة للبلاد مرتبطة في جانبها الأكبر بدرجات التقدم المنجزة على المستوى الجهوي، فإن التركيز على التنمية المحلية أصبح يكتسي ضرورة قصوى وذلك بالتركيز على تشجيع الاستثمار وتحقيق برامج التنمية الاقتصادية وإعطاء الأولوية للمجالات التي تهم السكان

الندوة 3
تطورات مسلسل اللامركزية بالمغرب



في إطار تعزيز الديمقراطية المحلية، وبلورة الحريات العامة، وبغية إشراك المواطنين في تدبير الشؤون المحلية،

اعتمدت المملكة المغربية منذ سنوات الاستقلال الأولى نهج اللامركزية بالبلاد
وهكذا سُجِّل تطور ملموس في ما يتعلق بالجهاز القانوني والموارد المالية والبشرية على مدى أزيد من أربعين عاماً، وعلى مراحل عدة، سعياً إلى تعزيز استقلالية الهيئات المنتخَبة، في سبيل جعل اللامركزية رافعة حقيقية للتنمية

وشكلت اللامركزية، التي تمثل خياراً لا رجعة فيه وورشاً يحظى بالأولوية، موضوعَ عدد من الإصلاحات، تتوخى تمكين المواطنين من أن تكون لديهم إدارة قريبة وفعالة تصغي إلى انتظاراتهم وتطلعاتهم

وفي هذا الصدد، شكّل الميثاق الجماعي المؤرخ في 23 يونيو 1960 أول نص ذي طابع عام؛ وقد سبقه نصّان ينظّمان انتخاب المجالس البلدية ويرسمان الحدود الترابية للجماعات

وأحدث الظهير المؤرخ في 12 دجنبر 1963 مستوى ثانياً من اللامركزية على مستوى مجالس العمالات والأقاليم

لقد شهدت اللامركزية على مستوى الجماعات إصلاحاً جذرياً في العام 1976 من خلال اعتماد إطار قانوني جديد خوّل الجماعات مسؤوليات واسعة في ما يتعلق بتدبير الشؤون المحلية، ونقل سلطة إجراء مداولات المجالس من ممثل الدولة إلى رئيس المجلس الجماعي باعت
باره سلطة منتخَبة
كما تم تعزيز مسلسل اللامركزية عام 1992 من خلال إحداث الجهة، باعتبارها جماعة محلية ذات اختصاص، تشكّل إطاراً ملائماً لتطوير آليات ومناهج جديدة كفيلة بتثمين أمثل للموارد البشرية والطبيعية والبيئية للجهة
كما أنها تمثل إطاراً حيزياً يضم أبعاداً اقتصادية واجتماعية وثقافية، تقوم على تعزيز أسس الديمقراطية المحلية، والتضامن داخلياً وخارجياً بين الجهات والتنسيق بين مختلف الفاعلين الذين يكوّنون الجهة بغية تحقيق تنمية محلية مندمجة ومتنوعة
وهكذا حدّد ظهير 2 أبريل 1997 تنظيم الجهة على أساس تعزيز الممارسات الديمقراطية، من خلال تمكين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وباقي مكوّنات المجتمع المدني، من استثمار الجهة باعتبارها فضاء جديداً للتفكير والحوار والعمل
وقد حدت رغبة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في ملاءمة اللامركزية عموماً والمؤسسات المحلية على وجه الخصوص مع التغيرات التي يشهدها المغرب، بالسلطات العمومية في 1992 إلى إجراء مراجعة عميقة للنظام القانوني المنظّم للجماعات وجماعات العمالات والأقاليم

ويأتي هذا التجدّد في اللامركزية في سياق عامّ سماته الرئيسية : ـ تعزيز الديمقراطية، ولا سيما عن طريق مراجعة الدستور سنة 1996 مما يؤكّد تمسّك المملكة المغربية بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دولياً
ـ تعزيز دولة الحق
ـ ظهور المفهوم الجديد للسلطة
ـ تنظيم العمليات الانتخابية على نحو أسفر عن تجديد وتشبيب وتحسين مستوى تكوين المنتخَبين المحليين
ويتمحور الإطار القانوني الجديد المنظّم للجماعات المحلية حول المحاور التالية : ـ إحداث قانون أساسي للمنتخَب، مع تحديد الواجبات والحقوق، وذلك لأول مرة في تاريخ اللامركزية بالمغرب
ـ توسيع حقل الاستقلالية المحلية من خلال مفهوم جديد لجدول الاختصاصات المحلية يرتكز على مبدأ المساعدة، من أجل تخويل المستوى المحلي صلاحيات أكثر اتساعاً في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية
ـ وضع الإطار القانوني لنقل الصلاحيات التي يمكن أن تفوّضها الدولة للجماعات المحلية لاحقاً
ـ تعزيز آليات مراقبة وتخليق ممارسة الولاية الانتخابية حمايةً للمصلحة العامة والمال العام
ـ تعزيز المراقبة الخارجية، ولا سيما من خلال خلق محاكم مالية، أي المحاكم الجهوية للحسابات
ـ تخفيف جهاز الوصاية من خلال خفض عدد القرارات التي تخضع للموافقة، وخفض آجال الموافقة، وكذا من خلال تفويض سلطة الموافقة إلى الولاة والعمّال
ـ إحداث نظام جديد للجماعات الحضرية التي يفوق عدد سكانها 500 ألف نسمة، عبر إنشاء مجلس جماعي مكلّف بتدبير شؤون الجماعة، وأيضاً من خلال مجالس المقاطعات التي لا تملك شخصية قانونية غير أنها تتمتع باستقلالية إدارية ومالية، وتتولى تدبير شؤون القرب

لقد صاحبت قوانين اللامركزية إن على مستوى الجماعة، أو العمالة أو الإقليم أو الجهة، جملةٌ من إجراءات المواكبة تتوخى تمكين الهيئات المنتخَبة من أداء مهامها في أمثل الظروف التي تضمن الفعالية ونجاعة الأداء

وإذا كانت الموارد المالية التي تملكها الجماعات المحلية تكفل لها الاستقلالية عن الدولة، فإن هذه الكيانات تملك نظاماً جبائياً محلياً، مع تمتعها بالاختصاص في تحديد آليات وضع أساس معدلات بعض أنواع الضريبة، وكذا آليات تحصيلها، وتحديدها
والواقع أن النظام الجبائي الحالي المحدَث بموجب ظهير 21 نونبر 1989 قد عزّز الاستقلالية المالية للجماعات المحلية من خلال توسيع نطاق الموارد الخاصة
وقد تعزّز هذا النظام بتحويل حصة تعادل 30 في المائة على الأقل من ناتج الضريبة على القيمة المضافة إلى الجماعات المحلية، زيادة على ثلاث ضرائب حصّلتها مصالح الدولة وتم تخصيصها للجماعات اللامركزية ضريبة التجارة، ضريبة النظافة، والضريبة الحضرية، وكذا الموارد الغابوية التي تستفيد منها الجماعات القروية منذ عام 1977
وفضلاً عن ذلك، فإن الجماعات تتوفر على هيئة خاصة من الموظفين، ينظمها القانون الأساسي الخاص بالموظفين الجماعيين المؤرخ في 27 شتنبر 1977 الذي يحدد المقتضيات الخاصة التي يخضع لها هؤلاء الموظفون، الذين يتجاوز عددهم 146 ألف إطار وعون، استفادوا من دورات تكوينية في الشُّعَب التي تلبي حاجيات هذه الجماعات

ويبدو اليوم لزاماً، بعد الإصلاحات التي طرأت على القوانين المنظِّمة لتنظيم الجماعات، والعمالات والأقاليم، ملاءمة الإطار القانوني والتنظيمي مع السياق الجديد الذي تشهده اللامركزية

ولهذا الغرض تم وضع برنامج لدعم اللامركزية، يشمل مراجعة النصوص المتعلقة بالنظام الجبائي المحلي، وبالتنظيم المالي للجماعات المحلية وبنظام المحاسبة فيها
ويتوخى هذا الجهاز تبسيط وتحسين مردودية النظام الجبائي المحلي، وتأهيل الإدارة الجبائية المحلية، وخلق انسجام ما بين النظام الجبائي المحلي والنظام الجبائي الوطني
وأخيراً، وفي إطار دعم الجماعات المحلية، تُبذَل جهود في سبيل ضمان نجاح سياسة اللامركزية، ولا سيما عن طريق توفير الدعم القانوني للجماعات المحلية، ودعم برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية محلياً، وأيضاً عن طريق تعزيز قدرات هذه الكيانات على مستوى التسيير وعلى المستوى التقني

الندوة 4
توسيع اختصاصات الجماعات المحلية حسب الفعالية والقدرة على المردودية

ناقش موضوع التوسع العمراني للمدن إمكانية تعزيز دور الجماعات المحلية في إنجاز وثائق التعمير،

وتمكينها من آليات تمويلية جديدة قصد تحكم أفضل في التوسع العمراني، ووضع نظام قانوني قصد مواكبة إنجاز التجمعات الكبرى، اعتبارا لأهمية "إيجاد روابط بين الاستراتيجية الوطنية والاستراتيجيات التنموية المحلية"، مع "خلق انسجام بين المدن على مستوى وثائق للتعمير

وهذا ما دعا إليه ملتقى الجماعات المحلية مع تحديد اختصاصات كل الفاعلين المتدخلين في إعداد مخططات التعمير مع الحرص على وضع آلية للتنسيق بينهم سواء من السلطة المحلية أو الهيئات المنتخبة، مع الحرص على "تفعيل مخططات التعمير المنجزة والتنسيق بين مكوناتها وخلق الترابط والتمفصل بينها".

الملتقى لم يغفل الأهمية الكبرى للموارد البشرية، بما فيها رؤساء المجالس البلدية، من خلال التكوين والتأهيل والتواصل والتحسيس في مجال مواكبة مشاريع التعمير
أما على مستوى الأدوات التمويلية الجديدة الواجب تخويلها لتمكين الجماعات من التحكم في التوسع العمراني، فقد دعا الملتقى إلى مراجعة المنظومة الجبائية المحلية ومساعدة الجماعات المحلية في وضع آليات لاستخلاص جميع الضرائب واستخلاص المستحقات المتأخرة

وطالب بوضع رسوم ضريبية تسير في اتجاه إرساء العدالة الضريبية في ما يتعلق بالأراضي غير المبنية والبقع الأرضية الموجودة داخل المدار الحضري أو التي ستدخل ضمنه.

وشدد على ضرورة منح الجماعات المحلية سلطة أوسع في استخلاص الضرائب، كما دعا بعض المتدخلين إلى إحداث صندوق دعم خاص لعمليات التهيئة العقارية، مع خلق نظام تنافسي بين الجماعات

وبالنسبة إلى بعض المتدخلين، فقد بات من الأهمية بمكان توفير الدعم للجماعات المحلية حسب عطائها وفعاليتها وجودة تدبيرها، داعين إلى منح الجماعات قروضا بشروط تفضيلية

وبعد أن أكدت ضرورة ملاءمة القوانين مع الممارسة في مجال التعمير، أبرزت بعض المداخلات أهمية وضع قانون توجيهي للعقار الحضري خاصة بضواحي المدن، والذي من شأنه أن يمكن الجماعات من التوفر على »احتياطي عقاري« والتحكم في توسع المجال الحضري.

وطالب المشاركون بتبني معالجة جريئة للإشكاليات المرتبطة بتدبير العقار، وإعادة النظر في التقطيع الإداري على مستوى بعض الجماعات، مع إصلاح قانون نزع الملكية.

ونال إصلاح النظام المؤسساتي وطريقة تدبير النقل العمومي نصيبه من اهتمام الملتقى، حيث إن النمو الديموغرافي وازدياد حركة التنقل والصعوبات التي تواجهها وكالات النقل وارتفاع كلفة الطاقة، يحتم على الدولة التدخل عبر وضع نصوص قانونية ملائمة للتطور الحضري، وأيضا بضخ تمويلات إضافية خاصة في المدن الكبرى.

هذا الرهان يتطلب في الواقع، وضع مخطط للتنقلات الحضرية يهم جميع مدن المملكة، وإعداد استراتيجية واضحة في مجال التمويل كفيلة بتكييف هاجس التوازن المالي مع الخدمات ذات التوجه الاجتماعي.

ومن بين التوصيات التي خرج بها الملتقى، بهذا الخصوص، تنظيم أنشطة من شأنها تحقيق تكاملية أفضل بين مختلف وسائل النقل العمومي، والدفع بالشراكة بين القطاعين العام والخاص لجذب الاستثمار وتطوير الخبرة في القطاع مع العمل على خلق تجمع للجماعات من خلال وضع إطار لمجموعة الجماعات المحلية.
المداخلة الخامسة/ الاستاذ ميلود بلقاضي
الأكيد أن مشروع الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحه المغرب باعتباره حلا نهائيا للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية سيحتم على الدولة إدخال تعديلات جوهرية على الميثاق الجماعي المتعلق بالجماعات المحلية لمواكبة كل التحديات البشرية
والسياسية والاقتصادية والتنظيمية والقانونية والسلوكية التي يمكن أن يطرحها الحكم الذاتي
ويجب أن تهم هذه التعديلات ثلاثة جوانب مهمة : أولا، إعادة النظر في الوصاية على الجماعات المحلية
ثانيا، إعطاء صلاحيات لرؤساء الجماعات في ظل الاستقلالية
ثالثا، تقوية آليات المراقبة والمحاسبة القبلية والبعدية
1- الوصاية والسلطات المحلية والجماعات المحلية : هناك شبه إجماع حول التأثير السلبي للوصاية على تنمية الجماعات المحلية، خصوصا إذا عرفنا العلاقات غير السليمة وغير الشفافية وغير الديمقراطية القائمة بين مسؤولي السلطات المحلية والجماعات المحلية، حيث يجري استغلال الوصاية من طرف مسؤولي السلطات المحلية لابتزاز المسؤولين الجماعيين للمصادقة على مشاريعهم المقدمة إلى مصالحهم، بالإضافة إلى استغلال هذه الوصاية في المشاريع التنموية الجماعية، إذ تغلب العلاقات الشخصية على المناقصة الديمقراطية
وتؤثر هذه الممارسة من طرف مسؤولي الجماعات المحلية على التنمية الجماعية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا
وهكذا عوض أن يكون مسؤولو السلطات الوصية مساهمين في تنمية الجماعات عبر تطبيق القانون والمراقبة القبلية والبعدية للمسؤولين الجماعيين، ومتابعتهم في حالة ثبوت التلاعب بالمال العام للجماعات المحلية نجدهم يغضون الطرف عنهم
وعلى هذا الأساس، ولكي تقوم الجماعات المحلية بدورها التنموي في إطار التنمية الوطنية العامة، وجب إعادة النظر جوهريا في وصاية مسؤولي السلطات والمراجعة الجذرية للميثاق الجماعي لإزالة كل مسببات ترسيخ الممارسة الديمقراطية الحقة، وإعطاء الاستقلالية للمجلس الجماعي وتمكين المسؤولين الجماعيين من ممارسة الرقابة على الرئيس وأعضاء المكتب مع وضع حد لتدخلات السلطات الوصية وجعلها مساعدة في تنفيذ المشاريع التنموية

وهذا لن يتحقق إلا بإجراء مراجعة عميقة للإطار القانوني المنظم للجماعات والعمالات والأقاليم
وأعتقد أن الاستغلال السلبي للوصاية من طرف السلطات المحلية يتناقض والخطاب الملكي الذي حدد بعد نقل مسؤولية التنفيذ إلى الولاة والعمال
يقول صاحب الجلالة

هذا النظام الذي يهدف أساسا إلى نقل مسؤولية تنفيذ السياسة الحكومية العامة، على الصعيدين المحلي والجهوي، إلى الولاة والعمال، بصفتهم ممثلين للدولة على المستوى الترابي، والتأكد من الإنجاز الفعلي لبرامج الحكومة من طرف المصالح اللاممركزة، والنهوض بدور المحاور المؤهل، لدعم المجهود الذي يقوم به المنتخبون، والفاعلون الاقتصاديون المحليون
وهو ما يعني أن الولاة والعمال مسؤولين مباشرين عن سوء استعمال الوصاية من طرف مصالحهم
2- إعطاء صلاحيات لرؤساء الجماعات المحلية : هناك تناقض في الميثاق الجماعي لسنة 1976 وحتى المعدل سنة 2002، ويتجلى هذا التناقض في الدعوة إلى تأهيل الجماعات المحلية وجعلها رافعة للتنمية المحلية وتقوية وصاية السلطات عليها، خصوصا في مسألة جعل الوالي هو الآمر بالصرف

وأعتقد أن هذه المسألة كانت حاضرة في أشغال الملتقى الوطني للجماعات المحلية الأسبوع المنصرم بأكادير، إذ طرحت مسألة تمتيع المجالس الجماعية بالاستقلالية التامة عن السلطات المحلية والإقليمية التنفيذية، سواء تعلق الأمر بالتقرير أو التنفيذ، إضافة إلى دعم الجماعات المحلية بالحد الأدنى من الموارد المالية والبشرية وفق حاجيات كل جماعة

وجعل بعض البنود في الميثاق الجماعي أكثر مرونة لتشجيع الجماعات القيام باستغلال ثروات الجماعة أو البحث عن موارد مالية إضافية

وهذا ما عبر عنه صاحب الجلالة في خطابه الموجه للمشاركين في الملتقى الوطني للجماعات المحلية ليوم 12 دجنبر 2006 »وبالرغم مما تتوفر عليه الجماعات المحلية، من موارد مستقلة ومهمة، فإن تفعيل هذه الصلاحيات يستوجب إصلاح النظام الجبائي والمالي والمحاسبي، لهذه الجماعات، في اتجاه تبسيطه، وتحسين تدبيره، والرفع من مردوديته

وأضاف جلالته وبالرغم من توفر الجماعات المحلية على عدة صلاحيات قانونية، لتدبير الشأن المحلي، فإن جولاتنا التفقدية، لمختلف ربوع المملكة، قد مكنتنا من الوقوف الميداني، على التفاوت الحاصل بين متطلبات النمو الاقتصادي، والتجهيزات الحالية، ببعض المناطق

وعليه فإن منح الجماعات استقلالية موسعة وربط ذلك بإدارة مالية جيدة تعد اليوم الدعامة الأساسية للحكامة الشاملة، وهذا ما يتماشى وفلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
3- تقوية آليات المراقبة : من أهم الثغرات في الميثاق الجماعي المغربي ضعف آليات مساطر المراقبة القبلية والبعدية
ولا أدري لماذا لم يفكر واضعو الميثاق الجماعي المغربي في الاستفادة من تجارب دولية أخرى في هذا الباب، حيث يتم إنشاء هيئة وطنية مختصة بمحاسبة المسؤولين الجماعين ولها صلاحيات إحالة الملفات على القضاء في تنسيق مع المجلس الأعلى للحسابات وتجريم كل أشكال النهب الذي يمارس بالجماعات وتوفير الآليات الناجعة للمراقبة، وتخليق تدبير الشأن المحلي

لقد أصبحت الرقابة المالية والتدبير المالي الجيد يكتسبان أهمية قصوى في أدبيات الحكامة لا من ناحية تقوية نسبة نجاح المشاريع التنموية، بل أيضا محاربة الرشوة والفساد بكل أشكاله، وهذا يبقى رهينا بالإرادة السياسية للدولة

نستنتج من كل هذا أن على الدولة الإسراع بتعديل جذري للميثاق الجماعي الحالي وتبسيط المساطر للتعامل مع الجماعات المحلية في كل المجالات التنموية، حتى تصبح الجماعات شريكا استراتيجيا في التنمية، في ظل تعزيز الديمقراطية، ودولة الحق والمؤسسات، وإرساء المفهوم الجديد للسلطة، وكذا توسيع استقلالية وصلاحيات المجالس المنتخبة، في مجال التنمية، فضلا عن تقليص الوصاية، وضرورة تعزيز المجالس الجهوية للحسابات، إصلاح النصوص الشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمحاسبة والقانون التنظيمي للمالية واعتماد نظام جديد وشفاف للمساءلة، وتوفير الشروط الموضوعية لتجسيد الممارسة الديمقراطية الحقيقية بهدف جعل الجماعة المحلية فضاء تنمويا فعليا
وخير ما نختتم به هذا المقال الموجز فقرة من الخطاب الملكي الموجه إلى المشاركين في ملتقى أكادير الأخير يشكل هذا الملتقى الوطني، الذي ينعقد تحت شعار »تنمية المدن مواطنة ومسؤولية«، فرصة سانحة للمنتخبين المحليين، وممثلي السلطات العمومية، وهيئات المجتمع المدني، لتقييم ما تحقق من إنجازات، وبرامج تنموية متكاملة، ورصد مكامن الخلل في تدبيرها، وكذا التفكير في أنماط جديدة من التسيير، تمكنها من رفع تحديات العولمة والتنافسية الدولية للمدن«

فمتى ستفهم السلطات المحلية والأحزاب السياسية المسؤولة عن منح التزكية للمسؤولين الجماعيين فلفسة حكم العهد الجديد الذي أراد من عقد الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية من جعل تنمية الجماعة والمدينة مواطنة ومسؤولية وواجب وطني