السبت، 10 نوفمبر 2007

الحكم المحلي الجهوي

ندوة في الرباط تبحث تجارب الحكم المحلي الجهوي في العالم
الجهوية خيار لترسيخ روح المسؤولية والمواطنة


الرباط : فتيحة بجاج |



تعتبر تجارب دول أخرى نجحت في جعل الجهوية والحكم المحلي نموذجا يمكن للمغرب الاستفادة منه في تطبيق مقترح الحكم الذاتي
في أقاليمه الصحراوية كما تشكل أحد محاور التحرك السياسي الذي ستعرفه المنطقة في المرحلة المقبلة

هذا ما تطرقت له ندوة نظمت أخيرا في الرباط، حيث جرت المناقشات حول تبني مبدأ الحكم المحلي في كل من بلجيكا و سويسرا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا والبرازيل
وحلل المحاورون دلالة هذا المبدأ وفعالية تطبيقه كل حسب المنطقة التي ينتمي إليها

وأكد مشاركون في هذا اللقاء أن الجهوية أو الحكم المحلي أوالفيدرالية أصبحت الأنظمة والاتجاهات التي يتخذها تطور التدبير الترابي
ويعتبر نظام الجهات المستقلة المعمول به في إسبانيا في كل من منطقة الباسك، وكطالونيا وجزر الكناري والأندلس، وغيرها من الحكومات المستقلة، وأيضا الكانطون بسويسرا واللانديرز بألمانيا وكذلك الولايات المتحدة الأميركية، والمناطق الإيطالية، نماذج ناجحة يمكن أخذ العبرة منها

وأضافوا أنه إذا ما كانت الجهوية أو الحكم الذاتي تعني منح بعض السلطات للجهة، فإن الحكم الفدرالي تسيير مغاير، لأن مستوى التدبير فيه أكبر وأشمل، إلا أن كلا النظامين، الجهوية والفيدرالية، يستجيب لنفس المشاغل والهموم كما أن نتائجهما غالبا ما تكون مماثلة

وأشار المتدخلون كذلك، خلال هذه الندوة التي كانت تحت عنوان تجارب الحكم الذاتي الجهوي عبر العالم، أن الجهة تتصف باللامركزية موازاة مع تطلعات القرن الواحد والعشرين

وأصبحت اليوم عاملا أساسيا في تفعيل التطور الاقتصادي وانتعاشه، كما أنها منتج للثروات ومساهم في خلق فرص الشغل، مع احترام المجال البيئي والطبيعي للمنطقة التي يطبق الحكم المستقل تحت سيادة البلد الأم

وأوضح المستشار الاقتصادي لسفارة ألمانيا في الرباط، هانس كريسيان ونكلير، أن هناك أشكالا متعددة للحكم الذاتي أو الاستقلال الذاتي في العالم، وأن المغرب كان سبق أن أبدى إعجابه بالتجربة الألمانية

ومن جهتها ذكرت موريل كوتوريي كسالس، جامعية من برشلونة، أن النظام الإداري للتجربة الإسبانية يعتمد احترام خصوصيات كل منطقة، فالحكم الذاتي في مقاطعة الأندلس يختلف عنه في كاتالونيا أو في الباسك

وأضافت أن ميل المغرب إلى التجربة الإسبانية نابع من الإدراك أن منح الصحراء المغربية حكما ذاتيا سيكون حافزا لتكريس مبدأ الجهوية في مناطق مغربية أخرى، خاصة وأن المغرب أعلن منذ سنوات توجهه نحو نظام الجهات، أي اللامركزية، ومنح السلطات الواسعة للأقاليم في ما يتعلق بتدبير شؤونها المحلية

أشارت مداخلات تالية إلى أن الجهة تعتبر أحد العناصر المهمة والأساسية في تنظيم الدولة، إذ تكون بمثابة شاهد على التنوع الثقافي والاجتماعي والبيئي، بالإضافة إلى دورها الكبير في ديناميكية أوجه الحياة العامة للمجتمعات وتقدمها لأنها تخلق نوعا من التنافسية بين مختلف المناطق

وأبرزت مداخلات أخرى أن المؤسسات الجهوية لها دور فعال في تكريس لامركزية الدولة، كما أنها تساهم في ضمان الديمقراطية، مبرزة أهمية التقارب بين السلطات المتوفرة على صلاحيات تقريرية تجاه المواطنين

وأشارت المداخلات إلى أيضا أنه في مناطق الحكم المستقل في أي بلد تجري مشاركة المواطنين بواسطة اعتماد سياسة القرب، خاصة عند البحث عن حلول للمشاكل اليومية التي تهم حياة الناس، إلا أنه يبقى من الضروري التوفر على الوسائل المادية والإطارات الترابية المتعلقة بالتهيئة المستدامة للتراب الوطني

تركز الاهتمام كذلك، خلال الندوة، على أن تطوير مبدأ التسيير الذاتي على مستوى الجهة، يدفع بالدولة إلى تشجيع الإحساس بالمسؤولية لدى المواطنين، وليس فقط في المجال السياسي، وإنما أيضا في المجالات الإدارية والاقتصادية والمالية

من جهة أخرى، أصر المشاركون على لفت الانتباه إلى أن تفعيل التسيير الذاتي ينمي روح المبادرة، كما يكرس مبادئ التضامن والمسؤولية المدنية لدى كل مواطن، مؤكدين في نفس الآن، أن تطبيق الجهوية مسألة ضرورية لتشجيع الاختلافات والفوارق الاقتصادية والاجتماعية الموجودة بين مختلف عناصر التراب الوطني التي يجب أن تصحح عن طريق سياسة منسجمة، وكل هذا يساعد على تحقيق النمو على المستوى المحلي والجهوي والوطني

وذكرت بعض الآراء أن الجهوية مسألة إيجابية ولا تمس في شيء بالوحدة الترابية للوطن، بل على العكس من ذلك، فهي وسيلة تمكن المواطن من التعبير عن تطلعاته، كما أنها تجعل سياسة القرب أكثر ديناميكية، وتبرز أكثر تنوع وأصالة كل عنصر في المجتمع سواء أكان إنسانيا أو اقتصاديا أو حضاريا، أو غيرها من الأمور التي تساعد على خلق دولة في تطور وازدهار مستمرين ويرى المتخصصون أن تفعيل سياسة القرب وسيلة تساعد على تفادي الصراعات بواسطة إبراز أهمية الهوية الجهوية داخل إطار الوحدة الوطنية، مع عدم اعتماد تلك النظرة العرقية والدونية للفضاء المعاش فيه

وجرى خلال الندوة طرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كان تطبيق الجهوية المحلية كحل مناسب لمشكل الصحراء يتطلب إصلاحا دستوريا في المغرب، وهل يجب ملاءمة الدستور الحالي مع مفهوم الحكم الذاتي المرغوب فيه؟ وما هو التوافق السياسي والاجتماعي الواجب اتباعه في التقسيم الجهوي؟ وأية جهوية ستناسب بلد كالمغرب أخذ طريقه بصرامة نحو النمو والمعاصرة والديمقراطية؟ بالنظر إلى خصوصيات كل منطقة على حدة

الندوة 2
الحكامة والديمقراطية المحلية قاطرة للتنمية الشاملة



.
إذا كانت اللامركزية قد شكلت منذ عقود خيارا استراتيجيا للمغرب، فإن إقامة حكامة وديمقراطية محلية أصبحت، مع مرور الزمن،




هدفا يحظى بالأولوية في السياسة العامة للدولة، التي تسعى أن تجعل من التدبير الجهوي قاطرة للتنمية الوطنية

وشهد نمط التدبير المحلي في المغرب تطورا عميقا، إذ انتقل من مجرد سلطة اقتراحية، إلى أخرى تقريرية، وقد أملت التقدم المحقق في هذا المجال، التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب، ولكن أيضا بهاجس وضع نظام للحكامة يعوض التسيير الإداري للشؤون المحلية

وتقوم الدولة في الوقت الراهن بدور تنظيمي يكمن في توفير شروط مناخ مؤسساتي واقتصادي للدفع بالتنمية، ومن ثمة فقد أصبح من مهام الجماعات المحلية العمل على ضمان النهوض بالجهات في انسجام مع توجهات وأهداف السياسة الوطنية
وتتطلب الأهمية المخصصة لتدبير المجال الترابي إعادة تحديد مهام واختصاصات الجماعات المحلية، سواء تعلق الأمر بالجهات، أو العمالات أو الأقاليم أوالجماعات المحلية حضرية وقروية كما هو منصوص عليه في المادة 100 من الدستور

ومن هذه الزاوية، فإن المشرع المغربي واكب هذا التطور، الذي يسير في اتجاه التخفيف من الوصاية، وتحميل المسيرين المحليين المزيد من المسؤولية، والتي من شأنها أن تشكل عصب نخبة ذات كفاءة عالية تجمع بين الواجب والالتزام المواطن
واعتبر الميثاق الجماعي لـ 30 شتنبر 1976، لحظة المصادقة عليه، إصلاحا جذريا في هذا المجال، مع منح اختصاصات واسعة للرئيس وللمجلس الجماعي في ميدان التسيير الإداري

بعد ذلك تمت المصادقة على ميثاق جديد في أكتوبر 2002، والذي ميز محطة جديدة في علاقات الجماعات المحلية والسلطة المركزية
ويحيل هذا النص الذي خول صلاحيات جديدة للمجلس الجماعي، على أسلوب جديد في تدبير الشؤون المحلية

وحدد ميثاق 2002 أهدافا سياسية تتعلق بتعزيز ترسيخ إرساء ديمقراطية القرب، وتحسين النظام التمثيلي ومشاركة المواطنين في تدبير الشأن العام
وعلى الصعيد السوسيو ـ اقتصادي، يرمي النص إلى تطوير تدبير المجال الترابي والتهيئة الملائمة للمجال وتقوية قدرات تدخل المؤسسة المحلية في القطاعات الاجتماعية بهدف تقليص الفوارق بين الجهات
ولا يمكن بلوغ أهداف الجهود التي بذلت في مجال التشريع وتقوية الموارد الترابية، خاصة عبر مراجعة الجبايات المحلية، من دون تغيير العقليات وإشراك أكبر للمنتخبين في إيجاد الحلول للمشاكل على المستوى المحلي

وبما أن التنمية الشاملة للبلاد مرتبطة في جانبها الأكبر بدرجات التقدم المنجزة على المستوى الجهوي، فإن التركيز على التنمية المحلية أصبح يكتسي ضرورة قصوى وذلك بالتركيز على تشجيع الاستثمار وتحقيق برامج التنمية الاقتصادية وإعطاء الأولوية للمجالات التي تهم السكان

الندوة 3
تطورات مسلسل اللامركزية بالمغرب



في إطار تعزيز الديمقراطية المحلية، وبلورة الحريات العامة، وبغية إشراك المواطنين في تدبير الشؤون المحلية،

اعتمدت المملكة المغربية منذ سنوات الاستقلال الأولى نهج اللامركزية بالبلاد
وهكذا سُجِّل تطور ملموس في ما يتعلق بالجهاز القانوني والموارد المالية والبشرية على مدى أزيد من أربعين عاماً، وعلى مراحل عدة، سعياً إلى تعزيز استقلالية الهيئات المنتخَبة، في سبيل جعل اللامركزية رافعة حقيقية للتنمية

وشكلت اللامركزية، التي تمثل خياراً لا رجعة فيه وورشاً يحظى بالأولوية، موضوعَ عدد من الإصلاحات، تتوخى تمكين المواطنين من أن تكون لديهم إدارة قريبة وفعالة تصغي إلى انتظاراتهم وتطلعاتهم

وفي هذا الصدد، شكّل الميثاق الجماعي المؤرخ في 23 يونيو 1960 أول نص ذي طابع عام؛ وقد سبقه نصّان ينظّمان انتخاب المجالس البلدية ويرسمان الحدود الترابية للجماعات

وأحدث الظهير المؤرخ في 12 دجنبر 1963 مستوى ثانياً من اللامركزية على مستوى مجالس العمالات والأقاليم

لقد شهدت اللامركزية على مستوى الجماعات إصلاحاً جذرياً في العام 1976 من خلال اعتماد إطار قانوني جديد خوّل الجماعات مسؤوليات واسعة في ما يتعلق بتدبير الشؤون المحلية، ونقل سلطة إجراء مداولات المجالس من ممثل الدولة إلى رئيس المجلس الجماعي باعت
باره سلطة منتخَبة
كما تم تعزيز مسلسل اللامركزية عام 1992 من خلال إحداث الجهة، باعتبارها جماعة محلية ذات اختصاص، تشكّل إطاراً ملائماً لتطوير آليات ومناهج جديدة كفيلة بتثمين أمثل للموارد البشرية والطبيعية والبيئية للجهة
كما أنها تمثل إطاراً حيزياً يضم أبعاداً اقتصادية واجتماعية وثقافية، تقوم على تعزيز أسس الديمقراطية المحلية، والتضامن داخلياً وخارجياً بين الجهات والتنسيق بين مختلف الفاعلين الذين يكوّنون الجهة بغية تحقيق تنمية محلية مندمجة ومتنوعة
وهكذا حدّد ظهير 2 أبريل 1997 تنظيم الجهة على أساس تعزيز الممارسات الديمقراطية، من خلال تمكين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وباقي مكوّنات المجتمع المدني، من استثمار الجهة باعتبارها فضاء جديداً للتفكير والحوار والعمل
وقد حدت رغبة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في ملاءمة اللامركزية عموماً والمؤسسات المحلية على وجه الخصوص مع التغيرات التي يشهدها المغرب، بالسلطات العمومية في 1992 إلى إجراء مراجعة عميقة للنظام القانوني المنظّم للجماعات وجماعات العمالات والأقاليم

ويأتي هذا التجدّد في اللامركزية في سياق عامّ سماته الرئيسية : ـ تعزيز الديمقراطية، ولا سيما عن طريق مراجعة الدستور سنة 1996 مما يؤكّد تمسّك المملكة المغربية بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دولياً
ـ تعزيز دولة الحق
ـ ظهور المفهوم الجديد للسلطة
ـ تنظيم العمليات الانتخابية على نحو أسفر عن تجديد وتشبيب وتحسين مستوى تكوين المنتخَبين المحليين
ويتمحور الإطار القانوني الجديد المنظّم للجماعات المحلية حول المحاور التالية : ـ إحداث قانون أساسي للمنتخَب، مع تحديد الواجبات والحقوق، وذلك لأول مرة في تاريخ اللامركزية بالمغرب
ـ توسيع حقل الاستقلالية المحلية من خلال مفهوم جديد لجدول الاختصاصات المحلية يرتكز على مبدأ المساعدة، من أجل تخويل المستوى المحلي صلاحيات أكثر اتساعاً في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية
ـ وضع الإطار القانوني لنقل الصلاحيات التي يمكن أن تفوّضها الدولة للجماعات المحلية لاحقاً
ـ تعزيز آليات مراقبة وتخليق ممارسة الولاية الانتخابية حمايةً للمصلحة العامة والمال العام
ـ تعزيز المراقبة الخارجية، ولا سيما من خلال خلق محاكم مالية، أي المحاكم الجهوية للحسابات
ـ تخفيف جهاز الوصاية من خلال خفض عدد القرارات التي تخضع للموافقة، وخفض آجال الموافقة، وكذا من خلال تفويض سلطة الموافقة إلى الولاة والعمّال
ـ إحداث نظام جديد للجماعات الحضرية التي يفوق عدد سكانها 500 ألف نسمة، عبر إنشاء مجلس جماعي مكلّف بتدبير شؤون الجماعة، وأيضاً من خلال مجالس المقاطعات التي لا تملك شخصية قانونية غير أنها تتمتع باستقلالية إدارية ومالية، وتتولى تدبير شؤون القرب

لقد صاحبت قوانين اللامركزية إن على مستوى الجماعة، أو العمالة أو الإقليم أو الجهة، جملةٌ من إجراءات المواكبة تتوخى تمكين الهيئات المنتخَبة من أداء مهامها في أمثل الظروف التي تضمن الفعالية ونجاعة الأداء

وإذا كانت الموارد المالية التي تملكها الجماعات المحلية تكفل لها الاستقلالية عن الدولة، فإن هذه الكيانات تملك نظاماً جبائياً محلياً، مع تمتعها بالاختصاص في تحديد آليات وضع أساس معدلات بعض أنواع الضريبة، وكذا آليات تحصيلها، وتحديدها
والواقع أن النظام الجبائي الحالي المحدَث بموجب ظهير 21 نونبر 1989 قد عزّز الاستقلالية المالية للجماعات المحلية من خلال توسيع نطاق الموارد الخاصة
وقد تعزّز هذا النظام بتحويل حصة تعادل 30 في المائة على الأقل من ناتج الضريبة على القيمة المضافة إلى الجماعات المحلية، زيادة على ثلاث ضرائب حصّلتها مصالح الدولة وتم تخصيصها للجماعات اللامركزية ضريبة التجارة، ضريبة النظافة، والضريبة الحضرية، وكذا الموارد الغابوية التي تستفيد منها الجماعات القروية منذ عام 1977
وفضلاً عن ذلك، فإن الجماعات تتوفر على هيئة خاصة من الموظفين، ينظمها القانون الأساسي الخاص بالموظفين الجماعيين المؤرخ في 27 شتنبر 1977 الذي يحدد المقتضيات الخاصة التي يخضع لها هؤلاء الموظفون، الذين يتجاوز عددهم 146 ألف إطار وعون، استفادوا من دورات تكوينية في الشُّعَب التي تلبي حاجيات هذه الجماعات

ويبدو اليوم لزاماً، بعد الإصلاحات التي طرأت على القوانين المنظِّمة لتنظيم الجماعات، والعمالات والأقاليم، ملاءمة الإطار القانوني والتنظيمي مع السياق الجديد الذي تشهده اللامركزية

ولهذا الغرض تم وضع برنامج لدعم اللامركزية، يشمل مراجعة النصوص المتعلقة بالنظام الجبائي المحلي، وبالتنظيم المالي للجماعات المحلية وبنظام المحاسبة فيها
ويتوخى هذا الجهاز تبسيط وتحسين مردودية النظام الجبائي المحلي، وتأهيل الإدارة الجبائية المحلية، وخلق انسجام ما بين النظام الجبائي المحلي والنظام الجبائي الوطني
وأخيراً، وفي إطار دعم الجماعات المحلية، تُبذَل جهود في سبيل ضمان نجاح سياسة اللامركزية، ولا سيما عن طريق توفير الدعم القانوني للجماعات المحلية، ودعم برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية محلياً، وأيضاً عن طريق تعزيز قدرات هذه الكيانات على مستوى التسيير وعلى المستوى التقني

الندوة 4
توسيع اختصاصات الجماعات المحلية حسب الفعالية والقدرة على المردودية

ناقش موضوع التوسع العمراني للمدن إمكانية تعزيز دور الجماعات المحلية في إنجاز وثائق التعمير،

وتمكينها من آليات تمويلية جديدة قصد تحكم أفضل في التوسع العمراني، ووضع نظام قانوني قصد مواكبة إنجاز التجمعات الكبرى، اعتبارا لأهمية "إيجاد روابط بين الاستراتيجية الوطنية والاستراتيجيات التنموية المحلية"، مع "خلق انسجام بين المدن على مستوى وثائق للتعمير

وهذا ما دعا إليه ملتقى الجماعات المحلية مع تحديد اختصاصات كل الفاعلين المتدخلين في إعداد مخططات التعمير مع الحرص على وضع آلية للتنسيق بينهم سواء من السلطة المحلية أو الهيئات المنتخبة، مع الحرص على "تفعيل مخططات التعمير المنجزة والتنسيق بين مكوناتها وخلق الترابط والتمفصل بينها".

الملتقى لم يغفل الأهمية الكبرى للموارد البشرية، بما فيها رؤساء المجالس البلدية، من خلال التكوين والتأهيل والتواصل والتحسيس في مجال مواكبة مشاريع التعمير
أما على مستوى الأدوات التمويلية الجديدة الواجب تخويلها لتمكين الجماعات من التحكم في التوسع العمراني، فقد دعا الملتقى إلى مراجعة المنظومة الجبائية المحلية ومساعدة الجماعات المحلية في وضع آليات لاستخلاص جميع الضرائب واستخلاص المستحقات المتأخرة

وطالب بوضع رسوم ضريبية تسير في اتجاه إرساء العدالة الضريبية في ما يتعلق بالأراضي غير المبنية والبقع الأرضية الموجودة داخل المدار الحضري أو التي ستدخل ضمنه.

وشدد على ضرورة منح الجماعات المحلية سلطة أوسع في استخلاص الضرائب، كما دعا بعض المتدخلين إلى إحداث صندوق دعم خاص لعمليات التهيئة العقارية، مع خلق نظام تنافسي بين الجماعات

وبالنسبة إلى بعض المتدخلين، فقد بات من الأهمية بمكان توفير الدعم للجماعات المحلية حسب عطائها وفعاليتها وجودة تدبيرها، داعين إلى منح الجماعات قروضا بشروط تفضيلية

وبعد أن أكدت ضرورة ملاءمة القوانين مع الممارسة في مجال التعمير، أبرزت بعض المداخلات أهمية وضع قانون توجيهي للعقار الحضري خاصة بضواحي المدن، والذي من شأنه أن يمكن الجماعات من التوفر على »احتياطي عقاري« والتحكم في توسع المجال الحضري.

وطالب المشاركون بتبني معالجة جريئة للإشكاليات المرتبطة بتدبير العقار، وإعادة النظر في التقطيع الإداري على مستوى بعض الجماعات، مع إصلاح قانون نزع الملكية.

ونال إصلاح النظام المؤسساتي وطريقة تدبير النقل العمومي نصيبه من اهتمام الملتقى، حيث إن النمو الديموغرافي وازدياد حركة التنقل والصعوبات التي تواجهها وكالات النقل وارتفاع كلفة الطاقة، يحتم على الدولة التدخل عبر وضع نصوص قانونية ملائمة للتطور الحضري، وأيضا بضخ تمويلات إضافية خاصة في المدن الكبرى.

هذا الرهان يتطلب في الواقع، وضع مخطط للتنقلات الحضرية يهم جميع مدن المملكة، وإعداد استراتيجية واضحة في مجال التمويل كفيلة بتكييف هاجس التوازن المالي مع الخدمات ذات التوجه الاجتماعي.

ومن بين التوصيات التي خرج بها الملتقى، بهذا الخصوص، تنظيم أنشطة من شأنها تحقيق تكاملية أفضل بين مختلف وسائل النقل العمومي، والدفع بالشراكة بين القطاعين العام والخاص لجذب الاستثمار وتطوير الخبرة في القطاع مع العمل على خلق تجمع للجماعات من خلال وضع إطار لمجموعة الجماعات المحلية.
المداخلة الخامسة/ الاستاذ ميلود بلقاضي
الأكيد أن مشروع الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحه المغرب باعتباره حلا نهائيا للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية سيحتم على الدولة إدخال تعديلات جوهرية على الميثاق الجماعي المتعلق بالجماعات المحلية لمواكبة كل التحديات البشرية
والسياسية والاقتصادية والتنظيمية والقانونية والسلوكية التي يمكن أن يطرحها الحكم الذاتي
ويجب أن تهم هذه التعديلات ثلاثة جوانب مهمة : أولا، إعادة النظر في الوصاية على الجماعات المحلية
ثانيا، إعطاء صلاحيات لرؤساء الجماعات في ظل الاستقلالية
ثالثا، تقوية آليات المراقبة والمحاسبة القبلية والبعدية
1- الوصاية والسلطات المحلية والجماعات المحلية : هناك شبه إجماع حول التأثير السلبي للوصاية على تنمية الجماعات المحلية، خصوصا إذا عرفنا العلاقات غير السليمة وغير الشفافية وغير الديمقراطية القائمة بين مسؤولي السلطات المحلية والجماعات المحلية، حيث يجري استغلال الوصاية من طرف مسؤولي السلطات المحلية لابتزاز المسؤولين الجماعيين للمصادقة على مشاريعهم المقدمة إلى مصالحهم، بالإضافة إلى استغلال هذه الوصاية في المشاريع التنموية الجماعية، إذ تغلب العلاقات الشخصية على المناقصة الديمقراطية
وتؤثر هذه الممارسة من طرف مسؤولي الجماعات المحلية على التنمية الجماعية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا
وهكذا عوض أن يكون مسؤولو السلطات الوصية مساهمين في تنمية الجماعات عبر تطبيق القانون والمراقبة القبلية والبعدية للمسؤولين الجماعيين، ومتابعتهم في حالة ثبوت التلاعب بالمال العام للجماعات المحلية نجدهم يغضون الطرف عنهم
وعلى هذا الأساس، ولكي تقوم الجماعات المحلية بدورها التنموي في إطار التنمية الوطنية العامة، وجب إعادة النظر جوهريا في وصاية مسؤولي السلطات والمراجعة الجذرية للميثاق الجماعي لإزالة كل مسببات ترسيخ الممارسة الديمقراطية الحقة، وإعطاء الاستقلالية للمجلس الجماعي وتمكين المسؤولين الجماعيين من ممارسة الرقابة على الرئيس وأعضاء المكتب مع وضع حد لتدخلات السلطات الوصية وجعلها مساعدة في تنفيذ المشاريع التنموية

وهذا لن يتحقق إلا بإجراء مراجعة عميقة للإطار القانوني المنظم للجماعات والعمالات والأقاليم
وأعتقد أن الاستغلال السلبي للوصاية من طرف السلطات المحلية يتناقض والخطاب الملكي الذي حدد بعد نقل مسؤولية التنفيذ إلى الولاة والعمال
يقول صاحب الجلالة

هذا النظام الذي يهدف أساسا إلى نقل مسؤولية تنفيذ السياسة الحكومية العامة، على الصعيدين المحلي والجهوي، إلى الولاة والعمال، بصفتهم ممثلين للدولة على المستوى الترابي، والتأكد من الإنجاز الفعلي لبرامج الحكومة من طرف المصالح اللاممركزة، والنهوض بدور المحاور المؤهل، لدعم المجهود الذي يقوم به المنتخبون، والفاعلون الاقتصاديون المحليون
وهو ما يعني أن الولاة والعمال مسؤولين مباشرين عن سوء استعمال الوصاية من طرف مصالحهم
2- إعطاء صلاحيات لرؤساء الجماعات المحلية : هناك تناقض في الميثاق الجماعي لسنة 1976 وحتى المعدل سنة 2002، ويتجلى هذا التناقض في الدعوة إلى تأهيل الجماعات المحلية وجعلها رافعة للتنمية المحلية وتقوية وصاية السلطات عليها، خصوصا في مسألة جعل الوالي هو الآمر بالصرف

وأعتقد أن هذه المسألة كانت حاضرة في أشغال الملتقى الوطني للجماعات المحلية الأسبوع المنصرم بأكادير، إذ طرحت مسألة تمتيع المجالس الجماعية بالاستقلالية التامة عن السلطات المحلية والإقليمية التنفيذية، سواء تعلق الأمر بالتقرير أو التنفيذ، إضافة إلى دعم الجماعات المحلية بالحد الأدنى من الموارد المالية والبشرية وفق حاجيات كل جماعة

وجعل بعض البنود في الميثاق الجماعي أكثر مرونة لتشجيع الجماعات القيام باستغلال ثروات الجماعة أو البحث عن موارد مالية إضافية

وهذا ما عبر عنه صاحب الجلالة في خطابه الموجه للمشاركين في الملتقى الوطني للجماعات المحلية ليوم 12 دجنبر 2006 »وبالرغم مما تتوفر عليه الجماعات المحلية، من موارد مستقلة ومهمة، فإن تفعيل هذه الصلاحيات يستوجب إصلاح النظام الجبائي والمالي والمحاسبي، لهذه الجماعات، في اتجاه تبسيطه، وتحسين تدبيره، والرفع من مردوديته

وأضاف جلالته وبالرغم من توفر الجماعات المحلية على عدة صلاحيات قانونية، لتدبير الشأن المحلي، فإن جولاتنا التفقدية، لمختلف ربوع المملكة، قد مكنتنا من الوقوف الميداني، على التفاوت الحاصل بين متطلبات النمو الاقتصادي، والتجهيزات الحالية، ببعض المناطق

وعليه فإن منح الجماعات استقلالية موسعة وربط ذلك بإدارة مالية جيدة تعد اليوم الدعامة الأساسية للحكامة الشاملة، وهذا ما يتماشى وفلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
3- تقوية آليات المراقبة : من أهم الثغرات في الميثاق الجماعي المغربي ضعف آليات مساطر المراقبة القبلية والبعدية
ولا أدري لماذا لم يفكر واضعو الميثاق الجماعي المغربي في الاستفادة من تجارب دولية أخرى في هذا الباب، حيث يتم إنشاء هيئة وطنية مختصة بمحاسبة المسؤولين الجماعين ولها صلاحيات إحالة الملفات على القضاء في تنسيق مع المجلس الأعلى للحسابات وتجريم كل أشكال النهب الذي يمارس بالجماعات وتوفير الآليات الناجعة للمراقبة، وتخليق تدبير الشأن المحلي

لقد أصبحت الرقابة المالية والتدبير المالي الجيد يكتسبان أهمية قصوى في أدبيات الحكامة لا من ناحية تقوية نسبة نجاح المشاريع التنموية، بل أيضا محاربة الرشوة والفساد بكل أشكاله، وهذا يبقى رهينا بالإرادة السياسية للدولة

نستنتج من كل هذا أن على الدولة الإسراع بتعديل جذري للميثاق الجماعي الحالي وتبسيط المساطر للتعامل مع الجماعات المحلية في كل المجالات التنموية، حتى تصبح الجماعات شريكا استراتيجيا في التنمية، في ظل تعزيز الديمقراطية، ودولة الحق والمؤسسات، وإرساء المفهوم الجديد للسلطة، وكذا توسيع استقلالية وصلاحيات المجالس المنتخبة، في مجال التنمية، فضلا عن تقليص الوصاية، وضرورة تعزيز المجالس الجهوية للحسابات، إصلاح النصوص الشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمحاسبة والقانون التنظيمي للمالية واعتماد نظام جديد وشفاف للمساءلة، وتوفير الشروط الموضوعية لتجسيد الممارسة الديمقراطية الحقيقية بهدف جعل الجماعة المحلية فضاء تنمويا فعليا
وخير ما نختتم به هذا المقال الموجز فقرة من الخطاب الملكي الموجه إلى المشاركين في ملتقى أكادير الأخير يشكل هذا الملتقى الوطني، الذي ينعقد تحت شعار »تنمية المدن مواطنة ومسؤولية«، فرصة سانحة للمنتخبين المحليين، وممثلي السلطات العمومية، وهيئات المجتمع المدني، لتقييم ما تحقق من إنجازات، وبرامج تنموية متكاملة، ورصد مكامن الخلل في تدبيرها، وكذا التفكير في أنماط جديدة من التسيير، تمكنها من رفع تحديات العولمة والتنافسية الدولية للمدن«

فمتى ستفهم السلطات المحلية والأحزاب السياسية المسؤولة عن منح التزكية للمسؤولين الجماعيين فلفسة حكم العهد الجديد الذي أراد من عقد الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية من جعل تنمية الجماعة والمدينة مواطنة ومسؤولية وواجب وطني

ليست هناك تعليقات: