الأحد، 18 نوفمبر 2007

التنمية البشرية والحكامة/الحكم الراشد
ـــ
ـــ
بحث علمي من إعداد وتقديم:
الدكتور الأخضر عزي: أستاذ مكلف بالدروس، جامعة محمد بوضياف –المسيلة-الجزائر.
الدكتور غالم جلطي: أستاذ مكلف بالدروس، جامعة أبي بكر بلقايد –تلمسان-الجزائر.
ــــــــــــ
تمهيد حول الخلفيات الفكرية للحكم الراشد :
تصارع الجزائر وتجابه اليوم وأكثر من أي وقت مضى أزمة كبيرة ومعقدة وعميقة، رغم الإمكانيات المتاحة لها.، ويمكن النظر إلى ذلك بنظرة ليست تشاؤمية في الواقع، لكن هناك مؤشرات ذاتية تجعلنا نعتقد أن الخروج من هذه الأزمة ليس في الأجل القصير، فهذه الأزمة يمكن أن تكون وفق علاقة على طريق متشعب نظرا للهزات السياسية والاقتصادية، وهذا ما يؤكد أكثر فأكثر عدم فاعلية سيرورة المؤسسات التي كانت موجودة قبل الأزمة العميقة التي عرفتها الدولة الجزائرية، وبعد اقامة وتفعيل المؤسسات خاصة المحلية منها المنتخبة وتلك الإقتصادية التي لا زالت لم تنشط العمل والفعل الحركي بعد العديد من التجارب التي قامت بها الجزائر ومنذ اشتداد الأزمة عام 1992م. لكن المجتمع، والمجتمع وحده بقي يقاوم يوميا ليس فقط من ناحية الرد الرفضي الصامت للعنف واللإستقرار ولكن كذلك تجاه التوترات التطبيقية لبرنامج التعديل الهيكلي، خلال الفترة الحرجة (1995- 1998م)، مما جعل المجتمع يتساءل عن مستقبل الأجيال من السكان النشيطين، وتحديدا الأجيال الصاعدة في الوقت الراهن تحت ظروف عدم الحوار البناء والهجرة القسرية وغير الموفقة للأدمغة، وزيادة التهميش واستراتيجية الظرفية وتسيير الأزمة، كما كان يبرر الفعل غير اللائق للمسيرين، مما أدى إلى تفاقم الآفات الإجتماعية التي توسعت وازدادت حتى في المدن والقرى الجزائرية داخل الجزائر العميقة.
نلاحظ في أيامنا هذه أن الموارد المتاحة للمجتمع الإنساني أكثر محدودية من اي وقت مضى، بينما التحديات التي تواجه الدول والحكومات وكذا المنظمات والجمعيات تزداد بدورها تعقيدا وتدهورا، لذا فإن الشركاء والمتعاملين بدأوا بالبحث الاستنباطي عن الكثير من الأفكار الجديدة والمدعمة بحركية يمكن أن تؤدي إلى إيجاد مدى كبير وعبره إيجاد موارد متعددة كفيلة بضمان السير العادي للحكومات، وتبعا لذلك استقرار الدول ضمن حدودها الإقليمية التقليدية مع ضمان حد من المخاطرة السياسية والاستراتيجية تجاه العالم الخارجي من واقع العولمة والكوكبية التي أفرزت الكثير من الآثار ذات المناحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وهكذا أعطت الدول في إطار فلسفة الحكم الراشد[1][1] نفسا من التنوع والتجديد بإعطاء المجتمع المدني حركيةجديدة في إطار الشفافية والمساءلة ، وعبر الجمعيات المدنية كإطار نوعي للأبعاد التربوية والتثقيفية والتوعوية، فالجمعية من هذا المنظور هي التي تؤسس الإطار الحقيقي للمجتمع والرأي العام وبإمكانها تحفيز حركية جديدة ، إضافة إلى الأفكار الجديدة والاستفادة من توليفة مثلى وكبيرة من الآراء والتجارب المكتسبة التي تثري المبادلات بشتى أشكالها وصورها ، وبالتالي إيجاد مرونة في المشاركة والتنشيط عبر نماذج فعالة في اتخاذ القرارات خدمة


للمصلحة العامة. ويكون من المربح بالنسبة للجمعيات ،وكذا الدولة في إطار المعرفة الجديدة للحكم الراشد تجديد متواتر ومتزامن وبدون توقف لتشكيلاتها عن طريق ضمان التكوين والتوجيه لأفراد المجتمع ، ويبقى متخذو القرارات المسيرة لكيان قوة الدولة بمثابة عنصر القطب الحيوي والديناميكي في الاستماع إلى انشغالات الرأي العام خدمة للديمقراطية والمشاركة. ولا بد من الإشارة إلى عنصرين مهمين يساهمان في بلورة قوة الدولة ويتمثلان في:
1- 1- زرع ثقافة التحليل: يقصد بذلك تلك المحاولات أو النظرات التي تبرز مميزات المحيط والمنظمات مثل روح الانفتاح التي تنشط وتزداد عبر طرح العديد من الأسئلة الاستنباطية المبنية على فرضيات علمية تجد لها أرضية التطبيق الميداني، و يلي ذلك تحليل دقيق للإجابات المحصل عليها مع إضافة طموح التعلم والتجند والالتزام التي بامكانها مستقبليا قبول كل ما من شأنه أن يرمز لروح التغيير الذي هو أساس بناء قوة الدولة كما أشارت إلى ذلك w.k kellog foundation, 1998.
إن الحكم الراشد أو الحاكمية هي مجموعة القواعد الطموحة الموجهة لإعانة ومساعدة المسيرين للالتزام بالتسيير الشفاف في إطار هدف المساءلة على أساس قاعدة واضحة المعالم وغير قابلة للانتقاد أحيانا كون كل الأطراف الفاعلة عبر النشاطات المتعددة تساهم في ذلك أي في مجال التسيير، وقد أصبحت الحاكمية الجيدة هي الكلمة لمحورية للتنمية الدولية وهي مطبقة في كل القطاعات وقد ظهر هذا المصطلح بشكل جلي في حقبة الثمانينيات أي في الوقت الذي بدىء فيه بالتطبيق الميداني لبرامج التعديل الهيكلي والتي تهدف إلى خلق النمو الاقتصادي، إلا أن ذلك لم يتحقق في كثير من البلاد النامية، بمعنى ظهور صعوبات كثيرة وجادة حالة دون تطبيق هذه البرامج، وقد تم تشخيص هذه الصعوبات فتبين أن هناك أخطاء في تسيير الأعمال العمومية والتي مردها عدم الترجيح الاحصائي والميداني وكذا عنصر الأبوية المطلقة ونقص الشفافية لدى الحكومات، وعليه فقد عرف البنك الدولي (1992) الحكم الراشد بأنه الطريقة التي يمارس بها السلطة لأجل تسيير الموارد الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد بغية التنمية، أما البنك الدولي، فإن الحكم الراشد مرادف للتسيير الاقتصادي الفعال والأمثل وللإجابة على مختلف الانتقادات الخاصة بالمجموعات الدولية للتنمية التي تتهم وتشكك في الاصلاحات الهيكلية المسيرة بطريقة علوية أي من الأعلى نحو الأسفل والتي أدت إلى فراغ مؤسساتي بدل تعبئة القدرات الخلاقة الترقوية الذاتية للمجتمع الذي يزخر بها، وهكذا نجد أن لجنة المساعدة التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE قد أنشأت فريق عمل حول التنمية التشاركية والحاكمية الجيدة بحيث ربطت بين الحاكمية الجيدة والتنمية التشاركية، وكذلك حقوق الانسان والديمقراطية، كما قامت بتعيين وتدقيق وتعريف إحترام القوانين وتسيير القطاع العام ومحاربة الرشوة وتخفيض النفقات العسكرية الفائضة والمبالغ فيها على اعتبار أن ذلك من أبعاد الحكم الراشد، وكان ذلك سنة 1995، وقد اقترحت لجنة الحاكمية الاجمالية (1995) تعريفا أكثر عمومية بموجبه أشير إلى أن الحكم الراشد هو مجموع الطرق المتعددة لتسيير الأعمال المشتركة من طرف الأفراد والمؤسسات العمومية والخاصة، وفي بداية سنوات التسعينيات وعندما انفجر نموذج التنمية الاشتراكية القائم على الملكية الجماعية لوسائل الانتاج كما يرى التيار الماركسي، بمعنى القائم على الدولة وحدها أي التركيز على الدولة بشكل ملفت للأنظار مثلما كان الرئيس الجزائري السابق الشادلي بن جديد يطلق عليها البقرة الحلوب، وكانت هذه الاستراتيجية السابقة تظهر تناحرا رغم وجود شبه سيطرة كلية للبراغماتية الاقتصادية القائمة على السوق والتي أصبحت بمثابة بيان فلسفي، لذلك لوحظ أن الخطاب الدولي حول التنمية بدأ يتشكل ويتركز حول دور الدولة تجاه المجتمع والقطاع العام، كما أن التقرير حول التنمية للعام 1997 والذي اتخذ من عنوان " الدولة في عالم متغير " قد أشار بما يؤكد أن الوظائف الأساسية للدولة في اقتصاد السوق الاجتماعي سوف تصحح نقائص فكرة كمالية السوق كما تساهم في عدالة وانصاف أكثر على أن تتركز أنشطة الدولة على مستويات متعددة للتدخل وعبر ثلاث عناصر أساسية هي:
التطور المتدرج لإثراء فكرة الحاكمية والحكم الراشد بين التنظير العلمي والتنظير الاستراتيجي
2- 2- المعاينة الثانية المؤكدة: لوحظ خلال الفترة السابقة شح في الموارد المتاحة المرتبطة بنقص تدفقات المساعدات العمومية بعد نهاية الحرب الباردة كما ظهر كذلك تهميش متزايد لبعض المناطق في العالم وخاصة منطقة الساحل الافريقي، وقد ثبت في مجال التجارة الدولية أن النسبة قد انخفضت من 3% إلى 1% من التجارة العالمية نظرا لاشكالية انخفاض أسعار المواد الأولية، والتي تشكل الأساس في صادرات البلدان النامية وخاصة البترولية منه، ولا يجب أن نغتر من الارتفاع العشوائي لأسعار البترول التي تجاوزت حدود 50 دولار للبرميل لأن هذا الأمر يبقى دوما مرتبط بعنصر المتغيرات الخارجية شأنه شأن التطورات المناخية التي يعرفها العالم منذ ثلاث سنوات (ابتداءا من سنة 2002)، فأمريكا والعالم الغربي يعيش على وقع ارتفاع أسعار النفط نظرا للتوقيف المؤقت لمعامل تصفية وتكرير النفط وكذلك موجة الصقيع والبرد التي تضرب العالم منذ هذه الحقبة، دون أن ننسى المؤثرات البيئية على الفلاحة والري والصيد البحري وغير ذلك مثل موجات الجراد والقوارض التي أتت على الكثير من المحاصيل الزراعية في البلاد النامية وبالتالي بقائها في الحلقة المفرغة للتبعية والتخلف خاصة من جانب المواد الغذائية الضرورية للسكان.
1- 1- الدولة في حد ذاتها.
2- 2- المجتمع المدني.
3- 3- القطاع الخاص.
إن الحكم الراشد يتطلب عدم استبعاد أي عنصر من النشاط الانساني في خدمة التنمية وأصبح هذا الحكم يشكل أحد الأحداث الملاحظة في التطور الحديث للرأسمالية والتي جاءت للتقليص والتحكم في إفراط طرح أدم سميث " دعه يعمل دعه يمر " لأن هذا الإفراط أوجد الكثير من الاتهامات النابعة من أن فكرة وشاح ومصيدة اليد الخفية والتي تضبط كمعيار للأهداف والأفعال الشخصية لم تؤد إلى تظافر الجهود لأجل خدمة الصالح العام، ومن نافذة القول فإنه مقبول وفي كل التجمعات الانسانية من أن حياة الجماعة ومصالحها المفهومة جيدا هي التي تجبر وتفرض قبل كل اعتبار للمصلحة الخاصة والفردية، وعليه فإن الحكم الراشد جاء لتصحيح أخطاء الدولة الحديثة.
لمحة عن خلفية فشل سياسات التنمية :
كل الباحثين في المجال السياسي و الاقتصادي يجمعون على أن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية فشلت فشلا ذريعا في دول العالم الثالث، باستثناء بعض الدول، والدول العربية على وجه الخصوص و الجزائر على وجه التحديد بالرغم من أنها كرست مجهودات جبارة من أجل إحداث تنمية مستقلة مبنية على العدالة الاجتماعية و لبلوغ هذا الهدف تبنت استراتيجيات و نماذج تنمية مختلفة، و رغم كل الإصلاحات الاقتصادية المتتالية التي قامت بها معظم هذه الدول إلا أن النتائج جاءت مغايرة لطموحات شعوبها و لم يتم التوصل إلى أداء اقتصادي يحدث تنمية حقيقية، و بقيت قطاعات عديدة مهملة حيث تأكد أن التطور الاجتماعي أبطأ بكثير من التغير الاقتصادي. لهذا أصبح من الأهمية بمكان دراسة ومعرفة أسباب الفشل، إلا أنه لا يجب البحث عن هذه الأسباب في تقنيات تحضير مخططات التنمية أو في عجزها وإنما يتطلب الأمر البحث عنها في طبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي و السياسي وكيفية عمله، فأصبحت إذا طريقة وأسلوب الحكم في قفص الاتهام نظرا لما آلت إليه نتائج سياسات التنمية الاقتصادية في معظم الدول النامية. الأمر الذي يؤدي بنا إلى طرح السؤال التالي:
ما هي الشروط السياسية للتنمية الاقتصادية ؟
منذ أن ظهرت أنظمة الحكم المختلفة في الحقبات التاريخية المختلفة إلى أن برزت الحكومات بصورها الحالية على اختلاف أنماطها و تشكيلاتها بالرغم من الاختلافات في شكل الحكومات، إلا أنها مازالت تبحث عن أسلوب و طريقة الحكم و القيادة للوصول إلى طريقة مثلى للأداء المتميز ولقد ساهمت ثورة المعلومات التي ظهرت خلال القرن العشرين بصورة فاعلة في تطوير أداء الحكومات .
إلا أن المشكلة التي تواجه دول العالم الثالث من حيث أداء الحكومات ترتبط بالكيفية التي يمكن أن تحافظ بها هذه الدول على السلطة لها أثر مباشر على أداء الحكومات فعدم الاستقرار السياسي يعتبر المعوق الأساسي في مسيرة أداء الحكومات في ممارسات أنشطتها المختلفة بصورة متميزة، فكثير من دول العالم الثالث تضع برامج مثالية ولكنها تفشل في تطبيقها عل أرض الواقع بسبب التفكير في الحفاظ على السلطة.
الشروط السياسية للتنمية :
في ظل التطورات الكبيرة و المستمرة التي تشهدها مختلف أدبيات التنمية، توصلت مختلف الدراسات المعاصرة إلى إمكانية حصر الشروط السياسية، و ذلك بعد أن حسم الجدل الذي طالما عكس تباينا تنظيريا و ايدولوجيا في هذا المجال لصالح مجموعة من المفاهيم حيث تم إعادة توجيه دراسات التنمية نحو مسارات جديدة تؤكد على صلاحية مجموعة من القيم والآليات الصالحة للتطبيق على كافة المجتمعات بدون تمييز بحيث يقود الالتزام بها بالضرورة إلى حسن الحكم أو الإدارة الجيدة لشؤون الدولة و المجتمع (الحكم الراشد) والذي ترتبط بدورها بكل من الشفافية و توسيع نطاق المساءلة، وعلى هذا النحو برزت مفاهيم حسن الحكم و الشفافية والمساءلة كشروط سياسية للتنمية في ظل المستجدات على الساحة الدولية، كما تنامى على نفس الصعيد الاهتمام بمجموعة المخاطر التي يمكن أن تهدد تواصل العملية التنموية ومن أهمها الفساد الإداري والسياسي، نظرا لما تمثله من تأثير سلبي على كل من مشروعية النظام واستقراره في كثير من دول العالم الثالث.
كما تجدر الإشارة إلى أن هذا الطرح المعاصر حرص رغم ذلك على ضرورة الاهتمام بالخصوصية الثقافية لدول العالم الثالث، حيث تؤِكد الاتجاهات المعاصرة للتنمية على أهمية تفسير هذه الأخيرة داخل كل مجتمع انطلاقا من تجاربه الخاصة إلى جانب حرصها على التعرف على مختلف السمات المشتركة للتنمية من منظور مقارن.
يعد مفهوم حسن الحكم كأحد الشروط الأساسية للتنمية أكثر المفاهيم إثارة للجدل في دول العالم الثالث، نظرا لما يطرحه من آليات و منظومة قيمية قد تتشكك بصددها بلدان العالم الثالث، وهو ما يسمح بحيز واسع للاختلاف بصدده.

تعريف الحكم الراشد:
وجدنا أن هناك تباين في انتساب أصل مصطلح الحكم إلا أن هناك تقارب كبير في تعريفه و نورد هذه التعاريف فيما يلي:
- ظهر مصطلح الحكم الراشد في اللغة الفرنسية في القرن الثالث عشر كمرادف لمصطلح "الحكومة" ثم كمصطلح قانوني (1978) ليستعمل في نطاق واسع معبرا عن "تكاليف التسيير" (charge de gouvernance) (1679) و بناء على أساس هذا التعريف، ليس هناك شك أو اختلاف حول الأصل الفرنسي للكلمة .
- كلمة الحاكمية أصلها إنجليزي فهو مصطلح قديم، أعيد استعماله من قبل البنك الدولي في منتصف الثمانينات حيث أصبح من الاهتمامات الكبرى في الخطابات السياسية و خاصة في معاجم تحاليل التنمية، و يمكن شرحه بأنه " طريقة تسيير سياسة، أعمال و شؤون الدولة".
كما أن هذا المصطلح فرض لتحديد مجموعة من الشوط السياسية التي من خلالها وضعت في حيز التنفيذ المخططات التي تكتسب شرعية للعمل السياسي وفي نفس الوقت العلاقات مع الإدارة و مع القطب المسير و بقية المجتمع.
- يقصد بالحاكمية "gouvernance" أسلوب وطريقة الحكم و القيادة، تسيير شؤون منظمة قد تكون دولة، مجموعة من الدول، منطقة، مجموعات محلية، مؤسسات عمومية أو خاصة. فالحاكمية ترتكز على أشكال التنسيق، التشاور، المشاركة و الشفافية في القرار.
فهي تفض الشراكة للفاعلين و تقارب المصالح.
إن مفهوم الحاكمية يطرح ضمن إشكالية واسعة من الفعالية و النجاعة في العمل العمومي"l’action publique" و تهتم بالعلاقة بين السلطة والحكم.
فمفهوم الحاكمية يرتكز على ثلاث أسس رئيسية:
- الأساس الأول يتعلق بوجود أزمة في طريقة الحكم (crise de gouvernabilité) فقدان مركزية هيأة الدولة و ضعف الفعالية و النجاعة في الفعل أو العمل العمومي.
- الأساس الثاني يظهر أن هذه الأزمة تعكس فشل أو ضعف الأشكال التقليدية في العمل العمومي.
- الأساس الثالث يتعلق بظهور شكل جديد للحكم أكثر مواءمة للمعطيات الحالية.
و دائما في دور المحفز صندوق النقد الدولي و البنك الدولي يدافعان اليوم على مبادىء الحكم الراشد كأساس للسياسات الاقتصادية، و يعتبر الحكم الراشد ضمانا لتوفير الشروط الملائمة للحصول على نمو هام يستفيد منه المحتاجين ويضمن التطور الاجتماعي للبلدان ذات الدخل المنخفض.
الحكم الراشد لا يمكن أن يكون إلا في كنف السلم الاجتماعي و الاستقرار السياسي و ترقية حقوق الإنسان و بسط قوة القانون.
معايير الحكم الراشد: لا سبيل لإرساء الحكم الراشد إلا:
- - باقامة دولة الحق والقانون،
- - ترسيخ الديمقراطية الحقة،
- - التعددية السياسية،
- - المراقبة الشعبية التي تتولاها مجالس منتخبة بشكل ديمقراطي (البرلمان)،
- - الشفافية في تسيير شؤون الدولة،
- - المحاسبة التي تقوم من خلال بناء سلطة قضائية قوية،
- - حرية التعبير وحرية الرأي تقوم بها وسائل الإعلام من خلال حرية الاطلاع و الاستقصاء و التبليغ.
الفساد الإداري و السياسي أهم معوقات التنمية في الدول النامية :
برغم تعدد معوقات التنمية في البلدان النامية إلا أن قضية الفساد الإداري و السياسي تشغل موقعا من مواقع الصدارة بما يحتم ضرورة مواجهتها للحد من آثارها السلبية المختلفة على المسار التنموي. و لعل مما يجب التنويه إليه أن السنوات الأخيرة قد شهدت اهتماما متزايدا بقضية الفساد و ذلك ما ظهر من خلال مناقشات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي و تقارير التنمية الدولية هذا إلى جانب جهود منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية في هذا المجال.
كما يمكن تصنيف الفساد إلى ثلاث أقسام رئيسية:
1- عرضي ،
2- مؤسسي،
3- منظم
و عليه يمكن القول أن للفساد أشكالا كثيرة، فقد يكون فرديا أو مؤسسيا أو منظما، و قد يكون مؤقتا أو في مؤسسة معينة أو قطاع معين دون غيره. وأن أخطر هذه الأنواع هو الفساد المنظم حين يتخلل الفساد المجتمع كاملا و يصبح ظاهرة يعاني منها هذا المجتمع.
تتفق آراء المحللين على أن الفساد ينشأ و يترعرع في المجتمعات التي تتصف بما يلي:
1. 1. ضعف المنافسة السياسية.
2. 2. نمو اقتصادي منخفض وغير منظم.
3. 3. ضعف المجتمع المدني و سيادة السياسة القمعية.
4. 4. غياب الآليات و المؤسسات التي تتعامل مع الفساد.
و ترجع النظرية الاقتصادية الفساد إلى البحث عن الريع، و أما علماء السياسة فقد تباينت وجهات نظرهم، فمنهم من يرى أن الفساد دالة لنقص المؤسسات السياسية الدائمة و ضعف و تخلف المجتمع المدني.
و هناك فئة من السياسيين ترى أن الفساد وسيلة للمحافظة على هياكل القوى القائمة الفاسدة و نظم السيطرة السياسية.
وللفساد آثار وخيمة على المجتمع بكامله لهذا أصبح القضاء على الفساد الإداري و السياسي و اقتصادي إحدى دعائم الحكم الراشد.
و يبدو أن هناك اتفاق حول مجموعة من الشروط الواجب توفرها كشروط سياسية للتنمية و التي تتمثل فيما يلي:
1- أهمية تمتع النظام بشرعية تستند إلى القبول الشعبي وفاعلية الأداء و هو ما تفتقر إليه كثير من دول العالم الثالث، بما يمكن أن يعكس مظهرا سياسيا من مظاهر سوء الحكم.
2- وجود منظومة قيمية تعكس ثقافة سياسية تسهم في تحجيم الصراعات المحتملة بين كل من الحكام والمحكومين وتحد من استخدام العنف في ظل علاقة تنافسية غير صراعية.
وهنا تجدر الإشارة إلى ما تشهده كثير من دول العالم من تصاعد لحدة المواجهات في ظل تراجع ملحوظ لروح التسامح وقبول الرأي الأخر يعكس في مجمله أحد أزمات التنمية السياسية في هذه البلدان.
3- ضرورة مواءمة الهياكل الاجتماعية والسياسية للتغيرات الاقتصادية، بما يجنب النظام التعرض لمزيد من الضغوط وعدم الاستقرار، الذي يمكن أن يمثل عائقا لعملية التحول الديمقراطي.
4- السماح بدور المنظمات المستقلة في مواجهة الدولة خاصة فيما يتعلق بممارسة القوة السياسية و صياغة وتطبيق السياسات إلى جانب عمليات التجنيد السياسي، حيث يمثل هذا الشرط أساسا سياسيا للتنمية يعكس تفاعلا متوازنا بين كل من الدولة والمجتمع في ظل علاقة تعاونية تسمح للدولة بتنفيذ برامجها التنموية والقيام بالتوزيع العادل للموارد والحفاظ عل النظام دون اللجوء إلى الوسائل القهرية.
5- قبول دور للفاعلين الدوليين على كل من الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري.
الاستراتيجيات التي تحدد ملامح الحكم الراشد وتتمثل فيما يلي:
1- البعد المؤسسي :
حيث يضمن ترسيخ دعائم الإدارة الجيدة لشؤون الدولة والمجتمع و توفر كل من الشفافية و المساءلة تستدعي إرساء دعائم هياكل مؤسسية تتواءم و مرحلة التحول الديمقراطي الذي يرتبط بدوره بالمتغيرات السابقة.
2- البعد الاقتصادي و تحسين مستوى الأداء :
لا يجوز إغفال أهمية البعد الاقتصادي، حيث يمثل هذا البعد أحد أهم محاور و آليات حسم الحكم كخطوة على طريق التحول الديمقراطي، حيث لم يعد الاهتمام محصورا في تحديد مستويات النمو الاقتصادي و إنما امتد ليشمل وجوب تحسين مستويات الأداء الاقتصادي لمواجهة مختلف الأزمات و ذلك عبر إصلاحات هيكلية.
3- علاقة الدولة بمؤسسات المجتمع المدني كأحد محاور الحكم الراشد :
تعكس طبيعة علاقة الدولة بمؤسسات المجتمع المدني أحد أهم محاور حسن الحكم بحيث اعتبر التأكد على فعالية مؤسسات هذا المجتمع في مواجهة الدولة أحد الشروط الأساسية للتنمية. فالمجال الاجتماعي المستقل عن الدولة الذي يؤكد على وجود مجال عام للأنشطة التطوعية للجماعات يتيح قدرا من التوازن بين طرفي معادلة القوى في ظل خضوع مؤسسات المجتمع المدني للقانون، بما يضمن استقلالها عن أي توجهات أيديولوجية من جانب والارتفاع بمستوى المساءلة من جانب أخر.
4- دو ر الفاعلين الدوليين في دعم الشفافية و المساءلة :
تشير الإستراتيجيات الحالية للتنمية إلى موقع هام لدور الفاعلين في رسم وتحديد معالم المسار التنموي، وبطيعة الحال يتضح هذا الدور جليا في دول العالم الثالث من خلال دعم هؤلاء الفاعلين لبعض التوجهات التي تدعم مقولات واليات حسن الحكم بصفة عامة في هذه الدول، وذلك عبر مساعدات اقتصادية تقدمها الحكومات الأجنبية وبعض الوكالات الدولية، فالمساعدات الدولية عادة ما توجه على سبيل المثال لحفر التعددية كأحد الأبعاد المؤسسية للتنمية السياسية أو إلى دعم استقلالية المنظمات الشعبية وضمان انسياب المعلومات بما يضمن مزيد من الشفافية والمساءلة.
لكن هناك دراسات تشير إلى أن مصطلح الحاكمية قد ظهر عام 1937 وقد جسد ذلك الكاتب والاقتصادي الأمريكي Roland Coase في مقالته الشهيرة تحت عنوان the nature of the firm، وفي خلال حقبة السبعينيات فقد عرف بعض الاقتصاديين الحاكمية بأنها تمثل مختلف الاجراءات الموضوعة محل التطبيق من طرف المؤسسة لتحقيق تنسيقات داخلية كفيلة بتخفيض تكاليف وأعباء المبادلات التي يواجهها السوق حاليا، فالهدف الأساسي إذن هو تثبيت وتحرير القواعد الجديدة للعبة بين المسيرين والمساهمين، وعليه وتحت ما يعرف بالأثر المثلثي للعولمة والكوكبية المالية وكذا التداول السريع لرؤوس الأموال فقد أصبح المساهمون يطالبون بنموذج حكومة المؤسسة، ويمكن أن نستشف ذلك من خلال الآفاق الجديدة المقدمة والموفرة عبر الكوكبية المالية تحت تأثير إختلال ولا تنظيم الأسواق المالية فالحاكمية وعبرها الحكم الراشد تسعى إلى إحلال النقائص في حق الشركات عبر تسطير واجبات المسيرين تجاه المساهمين من حيث: الأمانة، الصدق، الاستقامة، الشفافية، الفاعلية وتطوير نتائج المؤسسة، وهذه هي النقطة المنطقية التي يستنبط منها لماذا يتم الاحتفاظ والاستفسار عن مخزونات الحافظات المالية في إطار يهدف إلى توعية المسيرين بخصوص قضية المساهم على اعتبار أنه العنصر المحرك للتنمية بشتى صورها، وفي سنوات الثمانينيات، فإن المؤسسات الدولية قد اقتنعت بعبارة good governance، والتي تترجم بالحاكمية الجيدة، ولأجل تعريف وتحديد خصوصيات الادارة الجيدة العمومية والتي يمكن تطبيقها على بلدان مطالبة أكثر فأكثر وفي إطار تبادل الفرص وتكافؤها لكي تضع الركائز الخاصة بالاصلاحات المؤسساتية اللازمة لنجاح كل البرامج الاقتصادية، فهم ينظرون تبعا لذلك إلى الحكم الراشد سواء كتسيير عمومي قائم على مبدأ المنظم، وعليه فإن الحكم الراشد سيسعى إلى اضعاف فكرة الدولة الحمائية l’etat providence.
الحكم الراشد والمسؤولية الإجتماعية للمؤسسات :
يهدف الحكم الراشد إلى تحقيق الاستفادة من السياسات الاجتماعية عبر أسلوب المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات RSE وكذا خصخصة المصالح العمومية فالمسؤولية الاجتماعية لمؤسسات مستمدة من طابعها الاختياري المرن والشامل بما يسمح ويشجع كل مؤسسة أيا كان حجم ونطاق أعمالها بأن تنتهج ما تراه مناسبا وملائما من الاجراءات والممارسات وفق امكاناتها وقدرتها المادية وبما يتجاوب مع حقائق السوق ومتطلباته، وهذا الأسلوب رديف للحكم الراشد، وهكذا نجد أن الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السيد كوفي عنان طرح في إطار الملتقى الاقتصادي في دافوس بسويسرا خلال جانفي 1999، وأمام أعضاء الملتقى ما عرف بشعار " توجيه قوى الأسواق من أجل دعم المثل العالمية "، وبمقتضاه ظهر عهد جديد، وتم الاجماع على ذلك من طرف ممثلي قطاع الأعمال والمال والتجارة في العالم بحيث يقوم على أساس تكريس احترام عناصر المشاريع التجارية لمدونات ثلاث من الصكوك الدولية: الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في سنة 1948، إعلان المباديء والحقوق الأساسية في العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية في العام 1998، وإعلان ريو الصادر عن مؤتمر الأرض في العام 1991، وتتلخص هذه المباديء في تسعة عناصر مبدئية رئيسية هي:
1- 1- احترام ودعم حماية حقوق الإنسان المعلنة عالميا.
2- 2- احترام حق التنظيم والمفاوضة الجماعية.
3- 3- كفالة عدم ضلوع المؤسسات المنضمة إلى الاتفاق العالمي في انهاك حقوق الانسان.
4- 4- القضاء على كافة أشكال العمل الجبري والقهري.
5- 5- القضاء الفعلي على عمل الأطفال.
6- 6- القضاء على التمييز بين الاستخدام والمهنة.
7- 7- دعم التدابير الاحترازية في مواجهة التحديات التي تتعرض لها البيئة.
8- 8- اتخاذ تدابير لتشجيع الاحساس بالمزيد من المسؤولية في المجال البيئي.
9- 9- تشجيع تطوير ونشر التقنيات البيئية غير الضارة بالانسان.
فيظهر جليا وأن هناك تكاملا بين الحكم الراشد وهذه المسؤولية، والتي تعرف بانها الإدماج الطوعي من طرف المؤسسات للإهتمامات الاجتماعية والبيئية في أنشطتها التجارية وعلاقاتها مع شركائها، وإن تطوير هذا المفهوم قد استنبط عبر الأخذ بعين الاعتبار لعودة الوعي المتزايد من أن النجاح التجاري المستديم لم يكن الوصول إليه وفقط عبر تعظيم الربح في الأجل القصير ولكن وكذلك عبر تبني سلوكات مسؤولة.
وإذا ما توسعنا في الطرح التاريخي لتطوير مفهوم الحكم الراشد، فسنجد أن البنك الدولي عام 1997 وخلال الأزمة الآسيوية يعترف أن السوق لا يمكنها ضمان تخصيص أمثل للموارد وكذلك ضبط الآثار الحساسة للعولمة والكوكبية، وقد توصلنا أخيرا إلى ما يعرف بمذهب الحاكمية العالمية والذي بمقتضاه يكون هناك افتراض ينطلق من أن التطبيقات التقليدية للحكومة القائمة على التعاون الدولي بين الدول والأمم لا يسمح أكثر بحلول المشاكل الناجمة عن العولمة، يتعلق الأمر إذن بتعريف هيكل قيم عالمية وكونية والتي تستقي مما يعرف بالممارسات الجيدة سواء على مستوى الأعمال أو على مستوى الحكومات، وكذلك المنظمات المكلفة بضبط العولمة، لأن هناك من يلقي باللائمة على المنظمات العالمية باستخدام مفهوم الحاكمية لمعالجة المسائل السياسية، وهي المسائل التي لا توجد لها في الحقيقة أية وصاية كما أن هناك من ينتقد اللجوء إلى الممارسات الجيدة لأنها لا تعبر عن الحقيقة المراد الوصول إليها.
بناءا على ما سبق ذكره، يمكن القول أن تطور مفهوم الحاكمية والحكم الراشد قد جاء من منبع محيط المؤسسة الخاصة من حيث أنماط التنسيق والشراكة المختلفة للسوق، ومن محيط المؤسسة تم الاتجاه نحو المحيط السياسي بمعنى تحويل أشكال النشاط العمومي وكذلك العلاقة بين الدولة والسوق والمجتمع المدني.
أزمة الحكم الراشد في المجتمع الدولي: مما لا شك فيه وأن مفهوم الحكم الراشد يقوم على فرضية أزمة الحاكمية في المجتمع الدولي والتي تتميز بثلاث مظاهر أو لنقل وقفات تكمن في التالي ذكره:
1- 1- ليس للسلطات العمومية دوما احتكار للمسؤولية فالحكم الراشد يشكل إجابة ممكنة لأجل إيجاد صيغة توافقية بين السياسة والاقتصاد والاجتماع عبر اقتراح أشكال جديدة للضبط والتعديل وبالتالي التصحيح.
2- 2- هناك أعوان من كل طبيعة ومن كل الفئات يطالبون أن يكونوا مشاركين في عملية صنع القرار وهم في نفس الوقت في وضعية اقتراح حلول جديدة للمشاكل الجماعية، فالحاكمية تضع النقاط على الحروف بخصوص تنقل المسؤوليات التي تحدث وتتم بين الدولة والمجتمع المدني وكذلك السوق.
3- 3- أي عون لا يملك لوحده المعارف والوسائل اللازمة لأجل الحل الانفرادي للمشاكل التي تطرح، فهناك عمليات التقاء ومفاوضة أصبحت ضرورية بين المتدخلين حتى وان كانوا متنافرين وغير متجانسين، لأن الحاكمية تستلزم المشاركة والمفاوضة والتنسيق، وعلى هذا الأساس فقد كانت هناك مناظرات بخصوص الحكم الراشد في الألفية الثالثة، فإن التحول الخاص بالاقتصاد الكلاسيكي المبني على أساس الطاقة المادة قد اتجه نحو اقتصاد جديد يسير على أساس الطاقة-الاعلام، بحيث يحول ويظهر القيمة المبذولة والمنشأة من طرف المؤسسات، وهناك كذلك ضرورة التحكم أكثر فأكثر في التحولات السارية المفعول وكذا القيام باسراع والتسريع في الاستلزامات، فهناك مفاهيم جديدة تبدو أكثر من ضرورية وتبعا لمحيطات وفضاءات أكثر فأكثر تعقيدا إضافة إلى حقيقة غير ملموسة مما يستلزم طرح سؤال محوري كالتالي: كيف يمكن تعظيم قدرات المؤسسات حتى تتمكن من انتاج أكبر قيمة مضافة ذات طابع اجتماعي خدمة للاقتصاد والمجتمع والدولة، التي لا يمكن أن تكون إلا قوية تحت كل الظروف؟
مظاهر ازمة الحكم :
لقد بدأت المجتمعات الدولية وخاصة الإفريقية منها والجزائر كبلد افريقي تهتم بالحكم الراشد على أساس مجموع القواعد المكتوبة وغير المكتوبة والتي أصبحت الموضوع المحبذ للكثير من الورشات واللقاءات العلمية الوطنية والدولية وتجمعات العمل، وقد أصبح الاقتصاد اليوم هو الشغل الشاغل لكل النقاشات السياسية ,ويظهر جليا أن الموضوع الذي يجمع بين الحاكمية و الخصخصة و تسيير الاقتصاد بطريقة مقارنة لا يمكن أن يكون أكثر عنصر من العناصر الحالية محل الدراسة، فالخصخصة مثلا وباعتبارها رافد للحكم الراشد ومنذ أكثر من أي وقت مضى كعنصر ازعاج للكثير من الدول وخاصة الافريقية والآسيوية منها، حتى أن هذا الموضوع كان محرما الكلام عنه في بلد كمصر حتى عام 1992، لكن أصبحت الخصخصة اليوم بمثابة الوصفة السحرية الغير قابلة للالتفاف والدوران ولكل السياسات الرشيدة في المجال الاقتصادي والاجتماعي من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، وقد ذكر الرئيس النيجيري أوباسنجو سنة 2004 ما يلي: " نحن في افريقيا والعالم النامي نتقدم على طريق الديمقراطية، الحكم الراشد، وأتمنى ان نكون قادرين كذلك على حل وحماية المنازعات " من خلال هذا الطرح نلاحظ أن التنمية الافريقية أصبحت في قلب اهتمامات مسيري وقادة الدول الإفريقية، لأن المحيط أصبح دوما غير مؤكد ويزداد تعقيدا بفضل تعدد المعارف والقدرات والمعلومات التي تجعل من الفرد عاجز لوحده عن التحكم في التسيير فيجب الاعتراف أن كل فعل جماعي مهما كان شكله ومجال تدخله وكذا أهدافه يتطلب أن يكون مصمم وبصفة قيادية، فالحكم الراشد رديف للقيادة، وعليه فإن كل منظمة باعتبارها قناة اجراءات ووسائل للنشاط الجماعي مطالبة بأن يكون لها تسيير فعال، فلا بد من إرادة في تطوير استراتيجيات المشاركة لادماج المعنيين بالأمر في اعداد القرارات في ادماجها في بناء الاختبارات الجماعية.
لماذا الحكم الراشد؟ من خلال قراءاتنا المتعددة حول الحاكمية والحكم الراشد تبين أن هذا الموضوع الحساس والاستراتيجي كثير الانتشار في مناقشات مختلف التكتلات المحلية والاقليمية والدولية، وخاصة منذ الثمانينيات وفي سنوات التسعينيات وتجلى ذلك من محاولة الاجابة عن سؤال استراتيجي مبني من معاينتين يمكن ادراجهما كما يلي:
1- 1- المعاينة الأولى المثبتة: لوحظ فشل في السياسات المتبعة في العديد من البلدان السائرة في طريق النمو والتي ترجمت دوما بتبذير للموارد التي عبرت عما يعرف بسياسة المركبات الضخمة بانتاج شحيح بدل سياسة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والصناعات الصغيرة والمتوسطة الخالقة للثروة والتراكم الناتجين عن الفعالية في الانتاج وقد نتج عن السياسة الأولى مديونية مبالغ فيها وركود في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.
2- 2- اختيار وفرز المعطيات النوعية: إن المعطيات النوعية تكون متوافقة بشكل أو بآخر عندما تكون الإجابات الممكنة عن سؤال مطروح متعددة بغية إقامة وإعداد قائمة من الخيارات المعرفية كفيلة بتبني الأقوى منها ليس على أساس القانون البيولوجي البقاء للأصلح ولكن على أساس أن هذه الإجابات تبرز أصالة تفكير مجتمع البلد محل الدراسة وبعيدا عن الارتجالية والديماغوجية وحتى الشوفينية الضبابية، فإثارة استقراءات وملاحظات وأراء أو كلمات معطاة اعتياديا وفق إجابة عن أسئلة مفتوحة لما تكون هذه الأسئلة غير مستخرجة من اختيارات ووفق إجابات على أي مستوى من المستويات السلمية، فمن الأفضل ولأجل بناء قاعدة معلومات صلبة أن الأشخاص مطالبون بالإجابة تبعا لما يمكن تصوره في حدود معارفهم حتى وإن كانوا أميين، لهذا يجب أن يعطى الوقت اللازم لأجل تحليل المعطيات النوعية أكثر من الاهتمام بالمعطيات الكمية، لأن المؤسسات بإعتبارها كرافد من روافد الدولة مطالبة بإعداد استراتيجيات جديدة يتعين القيام بها وتسخيرها خدمة للتنمية المستديمة المرفقة بالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات (R.S.E) وهي مطالبة كذلك بالولوج والتحكم في مختلف المجالات الحيوية للاقتصاد الوطني والجانب الاجتماعي والثقافي، مما يتطلب أن يكون الأمر ذا علاقة بأولويات تحددها كل دولة من واقع قدراتها المستنبطة من قياس عناصر قوتها، كما يجب إعداد تصور للنتائج المرتقب الوصول إليها، ولن يتأتى ذلك إلا بتبني الاستراتيجيات الكفيلة بالحصول على هذه النتائج المرتقبة، فلخلق نجاح في هذه النقاط الاستقطابية من ناحية الإطار المؤسساتي، يتعين على المؤسسات كروافد أن تقوم باختيارات حرة وواضحة المعالم لأجل تقييم أفضل وواضح وبطريقة مثلى للنتائج، لذا يتعين عليها ومنذ البداية الاعتماد على استراتيجيات واضحة المعالم من واقع النظرات الجديدة للحكم والتسيير والإرشاد المبني على الاكتشافات والابتكارات الجديدة في مجال إدارة الأعمال إن على المستوى الكلي أو الجزئي، لأن الحاكمية والحكم الراشد كمصطلح يتضمن اليوم وأكثر من أي وقت مضى الكثير من المعاني وأصبح يستعار من استراتيجياته الابتكارية المرنة الكثير من الاستخدامات في مجالات الاقتصاد، السياسة، التنمية المستديمة، التقدم مع تقليص حدة المشاكل...الخ، فمصطلح الحكم الراشد يرتبط بالعديد من أنواع السياسات العمومية و/أو الخاصة ويتميز بدلالة واقعية على مختلف المستويات الإقليمية للتدخل: فمن الحاكمية المحلية إلى الحاكمية العالمية، مرورا بالحاكمية الحضرية، إضافة إلى تلك الحاكمية المتعلقة بالمناطق الأوروبية والآسيوية للسياسات النقدية، التشغيل، المؤسسات، شبكة المعلومات والأنترنت، وبعبارة أخرى يمكن أن نتكلم كذلك عن الحاكمية الإجمالية، والمساهمة الرئيسية النظرية لمفهوم الحاكمية الجيدة أو الحكم الراشد جاءت من الكتاب الذي كان محل تقدير ونال صاحبه جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998، ويتلق الأمر بالبروفيسور المعروف Awartya sen، والذي يرى أن التطور الاجتماعي والديمقراطية هي عمليات تتدعم بصفة متعاضدة، فالديمقراطية تشكل جزءا لا يتجزء من التنمية والمترجم كتوسع في الحريات الحقيقية حيث أن الحريات الشخصية يجب أن يتم تقبلها، ومن هذا المنظور فأن التوسع في الحريات يشكل الهدف الأول والوسيلة الأساسية للتنمية، فأسلوب الحاكمية ومنه الحكم الراشد له الكثير من التأثيرات على سلوك الأفراد الذي ينعكس على سلوك المنظمات والحكومات والدول، فأسلوب المشاركة يؤدي شيئا فشيئا أو يقود إلى مؤسسات تتميز بخاصية المساواة والتي تحل محل المؤسسات السابقة ذات إدارة الأعمال الكلية والجزئية غير المرنة والتي بدورها جعلت من أفكار وسلوكات الأفراد شبه مسجونة ومقيدة كما عالج ذلك Das Gupta في دراسة حديثة، بحيث عكست هذه الدراسة سلوكات الأفراد في بناء الدولة القوية القائمة على الحكم الراشد، لأن ذلك هو الأسلوب الأمثل لتشجيع المسؤولية المحلية خاصة على مستوى الجماعات المحلية والحكم المحلي كما هو الشأن في بلد كالجزائر المتميزة بشساعة الانتشار الأفقي لمؤسسات الجماعات المحلية وما يحدث بها يوميا من مناوشات وصراعات تخفي غياب الحكم الراشد وتظهر أن الأشياء مجرد مجابهات عشائرية وحسد وبغضاء بحكم حب التفوق الأجوف وغلبة سيادة عقدة التسيير من منطلق التشهير بالقبيلة والعشيرة والدوار، فالأسلوب الجديد للحاكمية يشجع إذن المسؤولية المحلية كما ذكرنا ويزيد في الحراك الاجتماعي ويمكن أن يذهب لغاية التأثير على المعدلات الديموغرافية كما عالجها المنظر سابق الذكر، ولأدل على أهمية الحكم الراشد إن على مستوى الدولة أو جماعاتها المحلية في إطار اللامركزية، ما صرح به الرئيس الجزائري بوتفليقة قائلا: " لا يمكن إقامة الحكم الراشد بدون دولة القانون، بدون ديمقراطية حقيقية، بدون تعددية سياسية، كما لا يمكن أن يقوم حكم راشد إطلاقا بدون رقابة شعبية" يستخلص من هذا الطرح الاستراتيجي ما للحكم الراشد من دور فعال في التنمية المحلية وفي بناء الدولة القوية التي تبتعد عن سياسة الواجهة والبهرج السياسي العقيم المبني على الأكاذيب والمبالغة والتلاعب بعواطف الهيئة الانتخابية أثناء الاستحقاقات الوطنية.

ليست هناك تعليقات: