الأحد، 18 نوفمبر 2007

الحكامة والتنمية العلاقة والإشكاليات

الحكامة والتنمية
العلاقة والإشكاليات
ما يزال الحديث عن التنمية الإنسانية المستدامة والحكامة (الحكم الصالح (الراشد)) في مرحلتهما الأولى، وبخاصة في عالمنا العربي والإسلامي، فحتى عهد قريب وربما قبيل صدور تقارير الأمم المتحدة الإنمائية، كان المقصود بالتنمية هو النمو الاقتصادي، واستبدل التركيز من النمو الاقتصادي، الى التركيز على مفهوم التنمية البشرية والى التنمية المستدامة فيما بعد، أي الانتقال من الرأسمال البشري الى الرأسمال الاجتماعي وصولاً الى التنمية الإنسانية ببعدها الشامل، أي الترابط بكل مستويات النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي، بالاستناد الى نهج متكامل يعتمد على مبدأ المشاركة والتخطيط الطويل الأمد في حقول التعليم والتربية والثقافة والإسكان والصحة والبيئة وغيرها، ويتوخى قدراً من العدالة والمساءلة والشرعية والتمثيل.
من هنا نشأت العلاقة بين مفهوم الحكم (الراشد) والتنمية الإنسانية المستدامة، لأن الحكم الراشد أو الحكامة هي الضامن لتحويل النمو الاقتصادي الى تنمية إنسانية مستدامة. ومع ذلك فقد ظل المفهوم بحاجة الى تأصيل خصوصاً في المنطقة العربية، التي تعاني من ضعف المشاركة ومركزية الدولة الشديدة الصرامة وعدم إعطاء دور كاف لهيئات الحكم المحلي، ناهيكم عن إبعاد مؤسسات المجتمع المدني من المساهمة وعدم توّفر بيئة صالحة سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية لذلك، سواء على صعيد التشريعات أو بسبب ضيق مساحة الحريات الخاصة والعامة وبشكل خاص الحريات الأساسية.
هذا المقال يناقش في إشكالية المفاهيم، لتنتقل الى المؤشرات والأبعاد بالنسبة للتنمية أو للحكم الصالح، لتضع محورية العلاقة بين التنمية والحرية وان لم تكن عملية شرطية، لكنها في نهاية المطاف لا بدّ أن تفضي إليها كفضاء لا غنى عنه، سواء من خلال الحكم الصالح أو العلاقة المتبادلة بين الديمقراطية والتنمية، وبعدها تتوقف الورقة عند سؤال التنمية والحكم الصالح... الى أين؟، لتخصص فقرة خاصة بإعلان الحق في التنمية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1986.[1]

أولا:تحديــد المفاهيم
ما المقصود بالتنمية؟ هناك المفهوم الضيق المتداول أحياناً ببعده التقليدي، والذي يُقصد منه التنمية الاقتصادية. يقابله المفهوم الواسع، الذي يستند الى فكرة التنمية الإنسانية ببعدها الشامل، وكذا الحال بالنسبة لفكرة الحكم الراشد أو " الحكم الصالح أو " الجيد" أو " الرشيد" أو"الإدارة الرشيدة" والذي شاع استخدامه في السنوات الأخيرة [2].
فالمفهوم الضيق، والذي تُفضل أدبيات البنك الدولي استخدامه، يعتمد على فكرة الإدارة الرشيدة بدلالة النمو الاقتصادي، عندما يتم التطرق الى التنمية، في حين أن المفهوم الواسع يرتفع الى مستوى السياسة، فيعالج مسألة الحكم والعلاقة بين عامة الناس والإدارة الحاكمة، بما يدخل في ذلك مسألة الشرعية والمشاركة والتمثيل والمساءلة، إضافة الى الإدارة العامة الرشيدة باعتبارها مكوّنات للحاكمية الراشدة (الصالحة) كما يذهب الى ذلك تقرير التنمية الإنسانية العربية[3].
وتعد الحرية كفكرة جوهرية ومركزية في عملية التنمية الإنسانية، خصوصاً إذا اعتبرنا التنمية الإنسانية هي: " عملية توسيع خيارات الناس"، وبهذا المعنى، للناس ولمجرد كونهم بشراً، حق أصيل في العيش الكريم ماديا ومعنويا، جسداً وروحاً ......
هكذا إذا التنمية لا تعني مجرد تنمية الموارد البشرية، ولا حتى تنمية بشرية حسب، أي تلبية الحاجات الأساسية، لكنها تنمية إنسانية شاملة في البشر والمؤسسات المجتمعية لتحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.والمفهوم الواسع للتنمية الإنسانية يضيف الى الحريات المدنية والسياسية (بمعنى التحرر من القهر ومن جميع أشكال الحطّ من الكرامة الإنسانية، مثل الجوع والمرض والفقر والخوف) الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ليصل الى قاعدة عريضة تعتمد على مبادئ حقوق الإنسان.
أما الحكامة فلا بد أن تعتمد على عدد من المحاور الأساسية منها: صيانة الحرية، أي ضمان توسيع خيارات الناس، وتوسيع المشاركة الشعبية والمساءلة الفعّالة والشفافية الكاملة في ظل فصل السلطات والتوازن بينها، وسيادة القانون والقضاء المستقل والنزيه والكفء، الذي تنّفذ أحكامه من قبل السلطات التنفيذية.
ثانيا:التنمية والحكامة: أبعاد ومؤشرات:
مرّ مفهوم التنمية بأربعة مراحل: المرحلة الأولى، جرى التركيز على النمو الاقتصادي، وفي المرحلة الثانية على التنمية البشرية وفي المرحلة الثالثة، على التنمية البشرية المستدامة، وفي المرحلة الرابعة، على التنمية الإنسانية بمعناها الشامل، واقترن هذا التطور بإدخال مفهوم الحكامة في أدبيات الأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز، ولعل السبب في ذلك يعود الى أن بعض البلدان، التي حققت نمّواً اقتصادياً، لم تستطع أن تحقق تحسنّاً في مستوى معيشة غالبية السكان، وهكذا فان تحسن الدخل القومي لا يعني تلقائياً تحسين نوعية حياة السكان .
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية عرف مفهوم"التنمية تطورا كبيرا منذ ذلك الوقت، ويعتبر مفهوم التنمية البشرية المتواصلة أو المستديمة الأكثر قبولا الآن. فلم يعد الأمر مقصورا على تحقيق معدل معقول للدخل الفردي، كما لم يعد معدل النمو الاقتصادي كافيا للحديث عن تحقيق التنمية. ويرتبط ذلك بأمرين لا بد من أخذهما في الاعتبار، الأمر الأول هو أن التنمية الاقتصادية – وإن كانت سياسية- غير كافية وحدها للحديث عن تنمية حقيقية، بل لا بد من إدخال عناصر أخرى تشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية، وقد تطورت نظرة البنك الدولي في هذا الميدان، حيث اتسع الأمر إلى قضايا التوزيع وحماية المهمشين، ونضيف إلى ذلك أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد عمد منذ بداية التسعينات إلى إصدار تقرير سنوي عن التنمية البشرية المستدامة، وأدخل في هذا الصدد معايير جديدة لقياس معدلات التنمية لا تقتصر على مستوى الدخل الفردي، وإنما تراعي الجوانب الاجتماعية الأخرى مثل معدل الوفيات والأمل في الحياة، فضلا عن مدى توافر الخدمات الأخرى[4].
وركزت تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي PNUD منذ العام 1990، على مفهوم نوعية الحياة وعلى محورية البشر في التنمية وزيادة قدراتهم على الاختيار وتمكينهم من ممارسة هذه الخيارات وتفجير طاقاتهم الإبداعية، وتمكينهم من المشاركة في أمور حياتهم، وأصبح النمو الاقتصادي ليس غاية بحد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق التنمية، ومن واجب الحكم الصالح أن يتأكد من تحقيق المؤشرات النوعية، لتحسين حياة السكان وهذه المؤشرات تتعدى الجوانب المادية ليندرج فيها العلم والصحة والثقافة والكرامة الإنسانية والمشاركة.
ويحرص برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على نشر ما أطلق عليه مؤشر التنمية البشرية سنويا للتعبير عن هذه الأمور.وأما الجانب الثاني الذي عني به مفهوم التنمية البشرية فهو ضرورة تواصل أو اطراد التنمية بين الأجيال.
لا يمكن إذا الجزم بعلاقة شرطية مطلقة بين التنمية والحرية، لكن انعدام أو ندرة الأخيرة سيؤدي الى تقليص حجم التنمية ويؤثر مستقبلا على استمرارها، إنْ لم يكن تراجعها وهو ما بينّته التجربة التاريخية.فقضايا التنمية لا يمكن عزلها عن فكرة الحرية، فالدعوة إلى الحرية واحترام حقوق الإنسان ليس ترفا تتمتع به الدول المتقدمة، في حين أنه ينبغي على الدول النامية أن تؤجل البحث فيه إلى حين وضع أسس التقدم الاقتصادي، كما لو كان هناك تعارض أو تناقض بين التنمية والديمقراطية.
يمكن القول أن مؤشرات التنمية الإنسانية المستدامة تتلخص في توسيع قدرات الناس وخياراتهم والتعاون بتحقيق التنمية وعدالة التوزيع والاستدامة، أي التواصل في العيش الكريم والأمان الشخصي دون خوف أو تهديد، ويذهب تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2000 الى إضافة: الحرية والحق في اكتساب المعرفة والشفافية وتمكين المرأة باعتبارها مؤشرات نوعية لا تتحقق إلا بوجود نظام إدارة حاشد يضع السياسات ويسعى لتطبيقها[5]. وقد كشف تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004 عن النقص الفادح في الحريات وبخاصة السياسية والمدنية ونقص المعرفة والثقافة والنظرة غير المتوازنة الى حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل ناهيكم عن الموقف من حقوق الأقليات.. وقد كشف تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004 عن النقص الفادح في الحريات وبخاصة السياسية والمدنية ونقص المعرفة والثقافة والنظرة غير المتوازنة الى حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل ناهيكم عن الموقف من حقوق الأقليات[6].
و الحقيقة أن مواجهة قضايا التنمية تتطلب الاعتراف للفرد بحقوقه وتمكينه من المشاركة الجادة والفعالة في أمور حياته. وهناك حاجة إلى تمتزج بين الحريات الفردية والتنظيم الاجتماعي. وقد أصدر الاقتصادي الهندي أمارتيا صن Amartya Sen ، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، مؤلفا حديثا عن "التنمية حرية" وهو عنوان يكشف عما يحتويه. فالحريات والإصلاح السياسي عمل مكمل وداعم للإصلاح الاقتصادي، وللتنمية بشكل عام وليس معرقلا لها.واقتصاد السوق لا يكتمل إلا مع الديمقراطية والحرية السياسية[7].
إن علاقة التنمية بالحكم الصالح أو الرشيد يمكن قراءتها من خلال ثلاثة زوايا هي: 1- وطنية، تشمل الحضر والريف وجميع الطبقات الاجتماعية والفئات بما فيها المرأة والرجل.
2- عالمية، أي التوزيع العادل للثروة بين الدول الغنية والدول الفقيرة وعلاقات دولية تتسم بقدر من الاحترام والمشترك الإنساني والقواعد القانونية.
3- زمنية، أي مراعاة مصالح الأجيال الحالية والأجيال اللاحقة[8] .
ووفقاً لهذه الزوايا يمكن قراءة الأبعاد الأساسية للحكم الصالح من خلال:
1- البعد السياسي، ويعني طبيعة النظام السياسي وشرعية التمثيل والمشاركة والمساءلة والشفافية وحكم القانون.2- البعد الاقتصادي والاجتماعي بما له علاقة بالسياسات العامة والتأثير على حياة السكان ونوعية الحياة والوفرة المادية وارتباط ذلك بدور المجتمع المدني واستقلاليته.
3- البعد التقني والإداري، أي كفاءة الجهاز وفاعليته، فلا يمكن تصور إدارة عامة فاعلة من دون الاستقلال عن النفوذ السياسي، ولا يمكن تصوّر مجتمع مدني دون استقلاليته عن الدولة ولا تستقيم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بغياب المشاركة والمحاسبة والشفافية، هكذا إذا يحتاج الأمر الى درجة من التكامل.و لعل نقيض الحكم الصالح أو الراشد هو الحكم السيء poor governance وذلك من خلال المعايير التالية: 1- عدم تطبيق مبدأ سيادة القانون أو حكم القانون و Rule of law .
2- عدم الفصل الواضح والصريح بين المال العام والمال الخاص وبين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
3- الحكم الذي لا توجد فيه قاعدة شفافة للمعلومات وعلى العكس من ذلك قاعدة ضيقة لصنع القرار.4- استشراء الفساد والرشوة وانتشار آليتهما وثقافتهما وقيمهما.
5- ضعف شرعية الحكام وتفشي ظاهرة القمع وهدر حقوق الإنسان.
6- الحكم الذي لا يشجع على الاستثمار خصوصاً في الجوانب الإنتاجية ويدفع الى الربح الريعي والمضاربات
ثالثا: الحكم الصالح والتنمية على مستوى الخطاب الدولي:
أثارت سياسات التنمية الاقتصادية في عدد من الدول النامية قضايا متعلقة بسلامة الحكم ونزاهته، ونظرا لاستقرار مبادئ السيادة لكل دولة وضرورة عدم التدخل في شؤونها الداخلية، فقد وجدت العديد من مؤسسات التمويل الدولية صعوبة في التوفيق بين احترام هذه المبادئ المستقرة والحاجة إلى توجيه النظر إلى أهمية سلامة أساليب الحكم. فتوجهات البنك الدولي مثلا في قضايا التنمية كثيرا ما تصطدم بالاعتبارات السياسية للدول المتلقية للقروض من حيث عدم إمكان التعرض إلى قضايا النظم السياسية وأساليب الحكم القائمة، مع ذلك فقد أطهرت تجارب التنمية في العديد من الدول خاصة في إفريقيا، أن فشل التنمية كان راجعا بالدرجة الأولى إلى فساد النظم السياسية السائدة وأنه بلا يوجد أمل حقيقي في أي تنمية مستديمة مالم تحدث تغيرات في أساليب الحكم.
ورغبة من البنك الدولي في طرح هذه القضايا دون التعرض مباشرة للقضايا والأمور السياسية فقد سك تعبيرا جديدا لمناقشة هذه الأمور، هو تعبير الحكم الصالح أو ما يصطلح على تسميته بالحكامة.
ومن الواضح أن مفهوم الحكم الصالح أو الرشيد على هذا النحو يتسق مع الاتجاهات الأخرى السائدة، من حيث غلبة مفهوم اقتصاد السوق واستعادة دور الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فهذه الأفكار تمثل نوعا من الايدولوجيا الجدية التي تتكاثف المؤسسات الدولية والنظام الاقتصادي الدولي في الدعوة إليها. لقد أصبحت المنظمات الاقتصادية الدولية تمارس ضغوطا على الدول بواسطة القروض المشروطة، والاستشارات من أجل أن تكون أكثر اندماجية يستجيب ومتطلبات هذه المنظمات في المجال الحقوقي والسياسي، حيث أصبحت تتضمن في دساتيرها احترام المعاهدات الدولية كما هي متعارف عليها عالميا وحرية الرأي والتعبير و الديمقراطية والتعددية الحزبية، أي محاولة تعميم النهج الليبرالي الديمقراطي على المستوى السياسي.
و في دراسة للبنك الدولي بخصوص الحكم الرشيد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حددت معيارين: الأول حكم القانون والمساواة وحق المشاركة والفرص المتساوية للاستفادة من الخدمات، أما الثاني: التمثيل والمشاركة والتنافسية والشفافية والمساءلة<
و قال مدير البرامج العالمية في البنك الدولي "دانيال كوفمان" إن البنك الدولي أعد مؤشرات للحوكمة الجيدة، وتطبق في أكثر من 200 دولة، وهي وجود إدارة الحكم تتطلب استقرار سياسيا وغياب الأعمال الإرهابية والعنف وقيام الدولة بوضع سياسات معينة 'لا سيما إصدار قوانين حديثة وممارسة دور فاعل واحترام المواطنين وممارسة الرقابة على الفساد المتفشي)، كما اعتبر أن ضمان حسن إدارة الحكم بات إحدى نقاط ارتكاز مبادرات البنك الدولي لمناهضة الفساد ومساعدة الدول على بناء مؤسسات قطاع عام على درجة من الكفاءة والفعالية وتخضع للمسائلة.
والنهج الذي يعتمده البنك لمناهضة الفساد يتمحور حول أربع نقاط رئيسية وهي تقديم المساعدة للدول التي تطلب المساعدة في كبح الفساد، واتخاذ جهود مناهضة لفساد والإسهام في الجهود الدولية لمناهضة الفساد والكفاح من أجل منع ارتكاب أعمال فساد في المشروعات التي يمولها البنك الدوليhref="http://www.maktoobblog.com/FCKeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=Body&Toolbar=Default#_ftn10">[10]
.
وذهبت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCDE التأكيد على أربعة معايير هي دولة القانون وإدارة القطاع العام والسيطرة على الفساد وخفض النفقات العسكرية في حين أن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة PNUD ركز على تسعة معايير وهي:
1- المشاركة 2- حكم القانون 3- الشفافية 4- حُسن الاستجابة 5- التوافق 6- المساواة 7- الفعالية 8- المحاسبة
9- الرؤيا الإستراتيجية.
* معايير الحكم الرشيد وفقا للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة:
أ- المحاسبة التوافق.
ب-الشفافية الحكم الراشد/ الصالح (السليم) المشاركة .
ج-حسن الاستجابة حكم القانون .
د-المساواة الفعالية .
ولا يمكن الحديث عن هذه المعايير دون استقرار سياسي وسلم مجتمعي وأهلي، ووجود مؤسسات وتداول سلمي للسلطة وإقرار بالتعددية وانتخابات عامة دورية وإدارة اقتصادية ومشاركة شعبية.
وتجدر الإشارة إلى أن الدول المتقدمة المانحة للمساعدة أصبحت تكرر باستمرار سواء في المؤتمرات أو في المبادئ التي توجه السياسات الوطني أو الجماعية، حرصها على ربط المساعدة على التنمية باحترام حقوق الإنسان.
ولا يرجع هذا الربط المعلن فقط إلى ضغط المنظمات غير الحكومية والرأي العام، بل إن ذلك يرتبط أيضا بالوعي المتزايد في الدول المتقدمة نفسها بضرورة حد أدنى من ترشيد التعاون الدولي وإدخال قدر من العقلانية على السياسة الخارجية، ليس لاعتبارات أخلاقية أو إنسانية صرفة ولكن أساسا لاقتناعها أن مصالحها نفسها صارت مهددة بسبب تردي الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العامل الثالث، أمام تقلص الأموال المتاحة للمساعدة وتزايد طالبي الهجرة واللجوء وتيارات اللاجئين والضغط الديموغرافي وتدهور البيئة وانتشار التطرف والتعصب وما يرافق ذلك من نمو العنصرية في قلب "ديمقراطيات" الشمال الغني نفسه.
وقد أتاح انفراج الشرق والغرب ثم اختفاء الشرق إيديولوجيا، الاستغناء عن عدد من الديكتاتوريات التي كانت تلعب دور الحليف في هذا الصراع مقايضة ولاءها بمزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية وبمزيد من الصمت والسكوت عن انتهاكات حقوق الإنسان وتفشي الرشوة وتبذير الأموال العمومية، وهي ممارسات تقود إلى التدهور المشار إليه آنفا.
وقد أصبح من المعايير الأساسية لتقديم المساعدة، ما تطلق عليه الدول المتقدمة، تعبير الحكم الجيد Good governance .
ففي تصريح لمجلس وزراء خارجية السوق الأوربية المشتركة مؤرخ ب 28 نوفمبر 1991، نقرأ ما يلي: "يلح المجلس على أهمية الحكم الجيد، وفي حين يبقى من حق الدول ذات السيادة إقامة بنياتها الإدارية وترتيباتها الدستورية،فإن تنمية عادلة لا يمكن إنجازها فعلا وبشكل دائم إلا بالانضمام إلى مجموعة من المبادئ العامة للحكم: سياسات رشيدة اقتصاديا واجتماعيا، شفافية حكومية (...) وقابلة للمحاسبة المالية، إنشاء محيط ملائم للسوق قصد التنمية، تدابير لمحاربة الرشوة، احترام القانون وحقوق الإنسان، حرية الصحافة والتعبير(...) وهذه المبادئ ستكون أساسية في علاقات التعاون الجديدة " .
ونقرأ في مقدمة التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في العامل لسنة 1989 ما يلي: "(..ولأننا نجد في الدول التي تحترم حقوق الإنسان أصدقاء لا أعداء...إنها الحكومات الأكثر استقرارا والمجتمعات الأكثر حيوية، حصون الحرية المحترمة لحقوق مواطنيها وجيرانها، وأكثر المسؤولين عن رفاهية المجموعة الدولية" .
و قد قامت الدول الأعضاء في لجنة "المساعدة على التنمية " (C.A.D) التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إضافة إلى رؤساء ومدراء البنك العالمي وصندوق النقد الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية في 5 دجنبر 1989 بإصدار تصريح مشترك بالسياسة العامة التي ستوجه التعاون لأجل التنمية في التسعينات، ومما جاء فيه: "إن هناك علاقة حيوية معترف بها اليوم على نطاق واسع بين الأنظمة السياسية المفتوحة والديمقراطية والقابلة للمحاسبة والحقوق الفردية وبين الأداء الناجح والعادل للأنظمة الاقتصادية. إن الديمقراطية القائمة على المشاركة تتطلب مزيدا من الديمقراطية ودورا أكبر للمنظمات المحلية والحكم الذاتي واحترام حقوق الإنسان بما في ذلك أنظمة قانونية فعالة ويسهل الوصول إليها accessible وأسواق تنافسية حرة وديناميكية".
غير أن أقوى تصريح بالسياسة العامة والمبادئ التي يجب أن تقود التعاون الدولي لأجل التنمية، وأكثرها انسجاما، هو المقرر الذي صدر عن مجلس وزراء المجموعة الاقتصادية الأوربية في 28 نوفمبر 1991 تحت عنوان: "حقوق الإنسان، الديمقراطية والتنمية" ، فقد اعتبرها هذا المقرر" أن المجموعة يجب أن تكون لها مقاربة approche مشتركة لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم الثالث" مما يحسن انسجام وفعالية المبادرات المتخذة في هذا المجال[12].
وإذا كان الحكم الصالح يعني حسن التصرف في إدارة الحكم لجهة الشفافية والمساءلة والمساواة ، لحدودها الدنيا وللشرائح الدنيا أحياناً ، فإنها يمكن أن تساعد في تحقيق التنمية وتشتبك مع الديمقراطية ، التي تعني أشكال وأساليب ممارسة السلطة السياسية وآليات اتخاذ القرار إضافة إلى مجموعة الضمانات القانونية ضد التعسف السياسي من جانب السلطة على حقوق الفرد والمجتمع كما ورد في أعلاه [13].
يبدو أن هناك علاقة وثيقة بين التنمية والحكامة والديمقراطية، لكن مثل هذه العلاقة ليست حصرية أو إجبارية ، فقد يكون هناك حكم غير ديمقراطي لكن إدارته وسلوكه أقرب إلى الحكامة ، وبالطبع فإن كل نظام ديمقراطي لابد أن يشتبك مع موضوع الحكامة خصوصاً في مسألة المساواة والمساءلة والشفافية.
كما أن تحسين أداء الحكم وربطه بالديمقراطية ، يتطلب نوعاً من الإصلاح السياسي سواء من حيث الأسس أو التوجهات العملية بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي، فقد تتيح كما أشرنا بعض الأنظمة درجات معينة ومحدودة من المساءلة والشفافية لأسفل الهرم الحكومي ، لكنها تظل بعيدة عن المتطلبات والشروط الدولية للديمقراطية. أما أنظمة الحزب الواحد حيث تأكل الدولة المجتمع وتبتلع مؤسساته المدنية، (الأهلية وغير الحكومية) أو تحّولها إلى تابع لها فإن مسألة المساءلة والشفافية تضعف إلى حدود كبيرة، حيث ينتشر الفساد والتسلطية والاستبداد بتراتبية من قمة الهرم حتى قاعدته، على حد تعبير المفكر والمصلح عبد الرحمن الكواكبي.النظام الديمقراطي يتطلب فصلاً للسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتناوبية عبر انتخابات دورية ومجتمع مدني ناشط ، واحترام لحقوق الإنسان، ومساءلة للحاكم، وتلكم هي إحدى مقاربات الديمقراطية على المستوى العالمي من الناحية الحقوقية الفكرية والسياسية، وهي التي أخذت بها الأمم المتحدة والعديد من الهيئات الدولية.
وهناك أسئلة تفرض نفسها باستمرار حول الديمقراطية والتنمية: منها هل أن الديمقراطية هي الرافعة التي تؤسس بالضرورة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ؟ أو أن هذه تنشأ بمعزل عن طبيعة نظام الحكم؟ أو قد تنشأ متأثرة بالنظام السياسي (نسبيا) أي بسلوكية الحكم ، سواء كان حكماً صالحاً (Good Governance)أو كان حكما طالحا (Poor Governance)، وسواء كان حكماً ديمقراطياً أم شمولياً؟
والسؤال يطرح على نحو آخر: هل الديمقراطية والتنمية مكوّنات لمعادلة واحدة ، بحيث إن وجود الأولى يقود بالضرورة الى الثانية؟ وهل أن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، هما "الهدف المركزي" أم أن التنمية وتحسين الحياة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي هي الهدف ؟ أي هل الديمقراطية هي الوسيلة والتنمية هي الهدف؟ أم أنهما تختلطان مع بعضهما وتتبادلان الأدوار أحيانا، فالوسيلة تكون هدفا لمرحلة تأسيس والهدف يصبح وسيلة لرفاه السكان؟ [14].
رابعا:سؤال التنمية والحكم الصالح الى أين؟
يطرح هذا السؤال نفسه بعد مناقشة إشكالية المفاهيم: هل يمكن الحديث عن حق الإنسان في التنمية باعتباره حقاً جماعياً للشعوب دون ربطه بالفرد الكائن البشري؟ ومصدر هذا السؤال يمتد الى الصراع الإيديولوجي في فترة الحرب الباردة والنظرة المنحازة لكلتا المنظومتين الاشتراكية والرأسمالية. ومثل هذا الجدل بل والصراع كان قائماً على المستوى الدولي سواء في الأمم المتحدة أو خارجها، وازداد عمقاً وشمولاً في ظل " العولمة " وارتفاع وتيرة المصالح في ظل لاعب أساس متحكم في اللعبة الدولية، وممارسة حقه في التجارة باعتباره الأقوى وتأثيره على المؤسسات المالية الكبرى، التي حوّلها الى حصون منيعة له، وبرز ذلك مع تراكم مشاكل الهجرة وانتشار المخدرات واستشراء الإرهاب وتفاقم مشكلة اللاجئين والتوظيف السياسي من وراء ذلك، حين كان الغرب يغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان من بعض أصدقائه، بحجة مكافحة التطرف والتعصب والإرهاب والأصولية، وتحجب المساعدات عن دول حاولت أن تتلمس طريقها في التنمية بما ينسجم مع خصائصها وتطورها ورفضها الخضوع أو التبعية، ويمثل أمامها على نحو إغراضي قضية انتهاكات حقوق الإنسان، بطريقة توظيفية بعيدة عن عدالتها.في العام 1977 دخل " الحق في التنمية" في جدول أعمال لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وبذلك بدأت مرحلة جديدة من مراحل تطور حقوق الإنسان.
شكّلت أسئلة التنمية جزءاً من المقترب البنيوي بخصوص الجيل الثالث لحقوق الإنسان، رغم أن الثمانينات شهدت أوضاعا انتقالية، استكملت حتى نهايتها بوضع حواجز أمام سلع العالم الثالث، مما زاد في تعميق أزمة التنمية واستفحال المديونية وهيمنة سياسة المؤسسات المالية الدولية، التي قادت الى استنزاف للموارد الطبيعية والإنسانية، للدول وتقليص فرص النمو والعمالة وارتفاع وتيرة العنف وعدم الاستقرار والمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان.وفي بداية التسعينات تعزز مفهوم الحق في التنمية بمفهوم " التنمية البشرية" كما ورد في تقارير الأمم المتحدة للتنمية، سواء من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة PNUDأو من جانب البنك الدولي، حيث تمت الدعوة الى مكافحة الفقر وايلاء اهتمام اكبر بالجانب الاجتماعي واعتماد مبدأ المشاركة كجزء من الحق في التنمية ومبدأ الحكم الصالح الراشد (الجيد) Good Governance.
وفي بيان القمة بمناسبة الألفية الثالثة، لزعماء العالم الذي حضره نحو 150 زعيماً أيلول(سبتمبر) 2000، جرى الوعد بإحداث تغييرات رسمية بوضع أهداف لخفض نسبة من يعيشون بأقل من دولار واحد يومياً، الى النصف وكذلك عدد الأشخاص الذين يفتقرون الى مياه شرب صحية واستكمال البنين والبنات مراحل تعليمهم الابتدائي ووضع حد لانتشار الايدز والملاريا والأمراض الفتاكة الأخرى[15].
وفي البيان المذكور شددت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القيم والمبادئ انطلاقاً من الأمم المتحدة وميثاقها كأساسين لا يمكن الاستغناء عنهما لبناء عالم أكثر سلاماً وازدهاراً وعدالة، وجرى التأكيد على السعي لتصبح العولمة قوة ايجابية لصالح جميع الشعوب في العالم وتقاسم فوائدها.
وتم التأكيد على قيم الحرية والحكم الديمقراطي والتشارك والمساواة والتضامن والتسامح والمسؤولية المشتركة في إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية العالمية بالإضافة الى مسؤولية حماية السلم والأمن الدوليين.وبخصوص التنمية والقضاء على الفقر جرى التأكيد على ما يلي:
• تحرير الرجال والنساء والأطفال من الأوضاع المُذِلّة وغير الإنسانية.
• خلق مناخ مناسب دولياً ومحلياً، يتجاوب مع التنمية والقضاء على الفقر.
• اعتماد الشفافية المالية والنقدية التجارية من خلال أنظمة حكم تتكيف لذلك في كل بلد.• التعامل الفاعل لحل مشكلة المديونية للدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط.• تلبية احتياجات دول الجزر الصغيرة النامية.
• الإقرار بحاجة الدول النامية التي لا تمتلك منفذاً بحرياً ومساعدتها على تخطي عقبات النقل والمرور وتحسين أنظمتها وشبكات المواصلات.
وفي فقرة خاصة تم تناول موضوع حماية البيئة والتأكيد على المحافظة على الغابات وتطويرها ومكافحة التصحر والجفاف وإيقاف الاستغلال المفرط للموارد المائية. وفي إطار توصيف عملية التنمية وربطها بالديمقراطية جرى الحديث عن الحكم الصالح والتأكيد على بذلك الجهود لترويج الديمقراطية وتعزيز سيادة القانون الى جانب احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، المعترف بها دولياً بما فيها الحق في التنمية، مؤكداً على احترام حقوق الأقليات ومكافحة جميع أنواع العنف ضد المرأة وضمان حقوق المهاجرين والعمال وعوائلهم ووضع حد للأعمال المتصاعدة التي تتخذ شكلاً عنصرياً أو عداءاً وكرهاً للأجانب والتشجيع على الانسجام والتسامح في المجتمع.وكان مؤتمر فيينا العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد في العام 1993 قد دعا لإقرار تفاهم عالمي حول حق التنمية حين نص على " تحسن الطرح النظري وزيادة الأدوات الدولية في ميدان حقوق الإنسان، لا يمكن أن يحجبا عن كل متتبع أن الهّوة ازدادت في الوقت اتساعاً بين الدول وداخلها ولاسيما في حقل ما يصنف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي لا يمكن فصلها عن الحقوق المدنية والسياسية .
انطلاقا من ذلك فان حق التنمية هو عملية شاملة ترمي الى ضمان جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وهي حق من حقوق الإنسان غير قابلة للتصرف، وجزء لا يتجزأ من الحريات الأساسية، ويرسخ إعلان الحق في التنمية هذا المفهوم، وذلك بسعيه لدمج التنمية بحقوق الإنسان على نحو متكامل، ويتطلب مسؤولية جميع الإطراف في المجتمع الدولي، ويسعى الى ربط مفاهيم التنمية الإنسانية المستدامة بحق الإنسان والمشاركة النشطة الحرة والفعالة لكل الأفراد في التنمية.
وتتأكد أكثر فكرة الربط بين الحقوق الفردية في التنمية وبين الحقوق الجماعية للمجتمع أو الدولة، فحق التنمية هو حق للفرد مثلما هو حق للجماعة، وإذا كان الأمر يتطلب جماعة متحررة غير خاضعة لهيمنة أجنبية، وحقاً على المستوى الدولي في مساعدتها على التنمية، فانه يتطلب أيضاً ديمقراطية داخلية واحترام حقوق الفرد حتى لا تصبح الجماعة قمعية.
ولا بد هنا من التأكيد إن تثبيت الحق في التنمية، وهو الخطوة الثانية المهمة بعد إعلان تصفية الاستعمار(الكولونيالية) لعام 1960، الصادر عن الجمعية العامة، إنما يستهدف المساعدة في تعديل الميزان المختل في العلاقة بين الشمال والجنوب، بين الأغنياء والفقراء، بين الأقوياء والضعفاء، وكذلك الجمع بين مجالين ظلاّ يعملان بصورة منفصلة وهما حقوق الإنسان والتنمية.
جدير بالذكر الإشارة الى أن الجمعية العامة واجهت منذ العام 1950 مشكلة تقرير ما إذا كانت ستمضي في طريق صياغة عهد دولي أو اتفاقية دولية لحقوق الإنسان ملزمة قانوناً، وذلك بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول (ديسمبر)عام 1948.
لكن الأمر الذي تم التوصل إليه هو صياغة عهدين أو اتفاقيتين رغم أن الجمعية العامة ذاتها أكدت :" إن التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، متداخلان ومترابطان، وان الإنسان المحروم من الحقوق الاقتصادية لا يمكن أن يكون نموذجاً للإنسان الحر".
لكن فشل لجنة حقوق الإنسان من التوصل الى صيغة كهذه، اضطر الجمعية العامة للموافقة عام 1952 على فصل حقوق الإنسان الى مجموعتين... وانطلاقاً من ذلك " القرار" اضطررنا أن نعيش هذا التقسيم الخاطئ وغير المقنع لمجموعتين من الحقوق رغم ترابطها وتداخلها.
عند تثبيت الحق في التنمية لا بدّ من لفت النظر الى مسؤوليات الحكومات الغربية، خصوصاً والحكومات بشكل عام إزاء الفرد والمجتمع، كجزء من البعد الأخلاقي لعملية دمج التنمية بحقوق الإنسان، سواءاً بمعناها الدولي ومسؤولية بلدان الشمال الغنية أو بمعناها الإقليمي والوطني بمسؤولية حكومات بلدان الجنوب عن ربط التنمية باحترام حقوق الإنسان كجزء منها وباحترام القواعد الديمقراطية في تطور المجتمع والفرد.
ويعد موضوع " الحق في التنمية" كجزء من تطور عملية حقوق الإنسان، وهو ما يطلق عليه الحقوق الجديدة من منطق " حقوق التضامن"، كالحق في السلام والحق في بيئة نظيفة، والحق في الاستفادة من التراث المشترك للبشرية. وكان فاسيك قد طرح المسألة عام 1977 بمناسبة التحضير للذكرى الـ 30 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومرور 200 عام على الثورة الفرنسية. ويعدّ "كارل فاسيك" مبدع فكرة الجيل الثالث لحقوق الإنسان، ويذهب أبعد من ذلك عندما يعتبر أن الحقوق المدنية والسياسية وهي التي تمثل (الجيل الأول)، كانت قد صيغت في القرن الثامن عشر وشكلت خلفية ثقافية للثورة الفرنسية.
أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي تمثل (الجيل الثاني) فقد صيغت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين تحت تأثير الفكر الاشتراكي والماركسي ، خصوصاً موضوع المساواة والحديث عن حقوق العمل والعمال والضمان الاجتماعي وغيرها.أما (الجيل الثالث) أو " حقوق التضامن" فهي محاولة لإدخال البعد الإنساني بعد حقوق الإنسان، خصوصاً وان تلك الحقول كانت متروكة للدولة مثل البيئة والسلام والتنمية والتواصل والتراث المشترك للإنسانية

ليست هناك تعليقات: